الإسلامية أو الإسلام الذي يعيد الاستقرار إلى العالم العربي الإسلامي هو ما يعتبره “الأزهر الشريف” الإسلام الوسطي إسلام التسامح والرحمة. وتوافق على هذا الاعتبار دول مسلمة وعربية عدة، بعضها إسلامي مثل المملكة العربية السعودية، وبعضها الآخر مدني شكلاً وعسكري ضمناً ومستبد فعلاً الإسلام فيه دين رئيس الدولة أو الدولة أو المصدر الرئيسي للتشريع فيها. أما بعضها الآخر الذي “فرطت” الأنظمة فيه والدولة والمؤسسات فإنه يبحث عن صيغة تكرس إسلاميته الدولتية وتعيد الوحدة إلى دولته بعد تفتتها. لكن العوامل التي تثبِّت الإسلام الوسطي، وتعمِّم اعتماده والإفادة منه لتصحيح صورة الإسلام ولإعادة بناء منطقة عربية وإسلامية بعد أن تفككها الحروب والفتن، لكنها محفوفة بصعوبات كثيرة.
أولها أن الأزهر الشريف، الذي كان على مر القرون المرجع الديني الأول للمسلمين في العالم فقد الكثير من دوره رغم استمرار مسؤوليه في تطويره، بسبب النظام الذي حكم مصر منذ عقود وأنظمة إسلامية عدة. وتسببت بالتهميش أيضاً سيادة مفاهيم دولتية في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى قائمة في معظمها على القومية والمدنية ثم على الفروقات الطبقية والاقتصاد عموماً. وتسبَّبت به أخيراً تيارات مسلمة إسلامية تأسست قبل عقود مثل “جماعة الإخوان المسلمين” واستمرت رغم ما تعرضت له من قمع واضطهاد يعتقد كثيرون انها تسبببت به لنفسها نتيجة سياساتها وطموحاتها. كما تسببت به تيارات أخرى أكثر إسلامية من “الإخوان” أي أكثر تطرّفاً وأكثر جذرية في أهدافها وفي استراتيجيات تحقيق هذه الأهداف. ويمكن القول أن بعضها ولد من رحم “الإخوان” وأن بعضها الآخر ولد من رحم “إسلامية” أخرى وتحديداً سعودية اعتبرها كثيرون جذرية وغير متوافقة مع الإسلام الوسطي. كما يمكن القول أخيراً أن ولادة هذه التيارات وأخرى كثيرة غيرها ارتبطت بأحداث عالمية مثل احتلال الاتحاد السوفياتي السابق أفغانستان ومثل حاجة أميركا إلى إخراجه منها من دون توّرطها مباشرة في ذلك. فكان التفاهم مع حلفائها المسلمين ومنهم السعودية على محاربته بواسطة “الجهاد” بعد تشجيع المؤمنين به من المسلمين على “الانتظام” في حركات مسلَّحة لمواجهته، وهكذا ولد تنظيم “القاعدة”. وبعده توالى المولودون الجدد على شاكلته وأحياناً بتطرّف يفوق ما عرف عنه ومنه.
أما الصعوبة الجدية الثانية التي تواجه تثبيت الإسلام الوسطي وتعميمه، فهي أن الدولة الفاعلة عربياً وإسلامياً أي المملكة العربية السعودية التي ترفع لواءهما اليوم تتبنى “صيغة” وليس مذهباً متشددة في الداخل أو يعتبرها كثيرون كذلك. ويدفع ذلك إلى التساؤل عن مدى قدرتها على التوفيق بين تشددها الداخلي إسلامياً والاسلام الوسطي الذي تدعو اليه خارجها. وبعض المتسائلين معادٍ لها. علماً أن المعلومات المتوافرة عنها تشير إلى أن الملك عبد الله بن عبد العزيز يقود عملية تحديثية جدية جداً وعلى كل الصعد، مع الحفاظ طبعاً على إسلامية الدولة. كما تشير إلى أن نجاح العملية البادئة منذ توليه السلطة يحتاج على الأقل إلى 5 سنوات بدءاً من الآن.
طبعاً هناك صعوبة ثالثة قد تكون الأخيرة وهي الصراع بين “صيغة” السعودية المشار اليها وبين “الإخوان المسلمين” وخصوصاً بعدما تبنتهم دولة إقليمية كبرى مثل تركيا وبعدما اعتمدت عليها للتحديث دول كبرى قبل فشلهم الأخير في مصر. وهو صراع محتدم ليس هدفه فقط السيطرة على العالم العربي والإسلامي أو قيادته، بل هدفه وخصوصاً من الجهة السعودية تلافي الأذى الذي قد تتعرض له دولة ونظاماً وعائلة حاكمة جرّاء وجودهم القوي في مؤسساتها وحتى في أوساط شعبها. و”الإخوان” يعرفون ذلك. لكنهم لا يتحدثون عنه كي لا يكتّل ذلك ضدهم كل من يراهن عليهم من خارج المنطقة. والسعوديون يفعلون الأمر نفسه كي لا يظن مؤيدوهم أنهم ضعفاء. لكنهم في الوقت نفسه ينفذون خطة متشعبة وجدية للتخلص من “الإخوان” في “القطاعات” التي يوجدون فيها كلها.
طبعاً لا أحد يعرف إذا كان في استطاعة الرئيس التركي المنتخب أردوغان، وخصوصاً في حال استمراره في قيادة تركيا بنجاح “واعتدال” حجز دور عربي ما لـ”اخوانه” في مخططات الكبار في العالم. لكن ما يعرفه الكثيرون أن العالم العربي يعيش تحوّلات لا يعرف أحد نهاياتها ومواعيد هذه النهايات. ولذلك لا بد من المتابعة والانتظار.