بين إضراب القطاع العام، الذي دعت إليه هيئة التنسيق النقابية، وتضارب المصالح بين الكتل السياسية، الذي أدى إلى تعطيل نصاب مجلس النواب، وبالتالي عدم انتخاب رئيس الجمهورية العتيد، رغم اقتراب موعد نفاد المهل الدستورية، تُصارع الحياة الاقتصادية في لبنان للصمود في وجه العواصف الداخلية، والرياح الخارجية المحيطة، في ظل غياب كلمة السر الإقليمية لمنع التعطيل، وغياب الدعم الدولي لمواجهة أزمة النازحين السوريين، وما ترتب على هذه الحرب من انعكاسات، سدّد الوطن الصغير معظم فواتيرها من اقتصاده وأمنه واستقراره الاجتماعي.
لقد دخلت أزمة السلسلة في حلقة مفرغة، من ضغوطات هيئة التنسيق، لإقرار السلسلة بالشكل الذي يلبي حاجات النقابات، وتخوف النواب من هذا الإقرار، تحت الضغط من دون تأمين التمويل اللازم، وبالتالي إدخال البلاد والعباد في حلقة مديونيات وتضخم متفاقم، مما يعني أن الضحية الأولى لهذا الكباش، البعيد عن المناقشات الجدية، والحلول الناجعة هو المواطن، الذي تعطلت مصالحه في الإدارات العامة، والطالب في المدارس الرسمية الذي تأخر في منهجه، إضافة إلى التأخر العام الذي يضرب هذا القطاع، وطلاب الشهادات الرسمية المهددة رسمياً بالتعطيل، وبالتالي «بتطيير» السنة، وفرص الشباب معها للالتحاق بالجامعات، التي لن تنتظر من «يحرد» ومن «يراضي»! وبالتالي تكون النتيجة صفراً للنقابات وصفراً للدولة، ويبقى المواطن تحت الصفر!
بناء عليه، تبقى علامة الاستفهام حول حقيقة الأهداف الكامنة وراء شد الحبال الحاصل، في مصلحة من يصب؟ وهل من سبيل للخروج من ساحة المزايدات الجرداء، نحو مجالات العمل المثمرة، إلا عبر النقاش الجدي الذي يضع المصلحة الوطنية فوق أية حسابات أخرى لأي من الطرفين، حيث لا بد من وقف الهدر، ومحاربة الفساد، وإعادة مداخيل البلاد لجيوب الدولة، وليس للعاملين فيها، في خطوة هي الأولى نحو بناء دولة المؤسسات، وصولاً لمواطن يدفع ضرائبه لدولة تؤمن له بالمقابل الطبابة والعلم وضمان الشيخوخة، من دون منّة، ومن دون حاجة للاستزلام، لأجل تحصيل الحقوق والمكتسبات.
ومَن يُحاسب المتخلّين عن مسؤولياتهم والمخلّين باستقرار الوطن الاقتصادي والاجتماعي؟ لقد ضربت الطبقة السياسية عند كل استحقاق حتى اليوم مصالح المواطن عرض الحائط ، وأبقت الأولوية للصفقات الخارجية، بدءاً من تعطيل وظائف المجلس النيابي التشريعية، مروراً بتأليف الحكومة، ووصولاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهل القانونية.
المهم الآن أن تبقى مطالب النقابات المحقة برسم المعالجة الجدّية، المنبثقة من محاربة الفساد، وإصلاح الأنظمة المهترئة، حتى لا يكون إقرار السلسلة، على أساس ما يُعطى باليمين يُسترد باليسار!