IMLebanon

إعلام آل سعود للبنانيين: «بالذبح جيناكم»!

لم يكَد سياسيو لبنان يُجاهرون بنجاح الخطة الأمنية التي حدّت من خطر الإرهاب، حتى بشّرتهم صحيفة «عكاظ» السعودية بما يُمكن أن يُعكّر صفو يومياتهم. قبل الجلسة المخصّصة لانتخاب رئيس للجمهورية، الأربعاء الماضي، ثمة من قرر إرسال ما يُشبه البيان التحذيري عبر الصحيفة المذكورة، مفاده بأنه «ليس في إمكان لبنان أن ينتظر أكثر من يوم الأربعاء على هذا الفراغ الدستوري، فيما هو محاصر بالوضعين السوري والعراقي الشديدي التأزم».

أضافت الصحيفة: «إذا لم تؤدّ المشاورات إلى اتفاق الأفرقاء على مرشح توافقي، فإن لبنان سيصبح مهدداً بالاجتياح، لن تصبح هناك دولة، ولن يعود هناك شيء اسمه لبنان».

من الناحية الأمنية، لا يُعد ما كتبته الصحيفة تهديداً، ولا يُمكن وضعه في إطار المعلومات حتّى. لم تتضمن سطور الخبر أي كلمة عن أحداث أمنية أو انفجار أو فلتان، لكن، قد يجوز اعتبار ما نشرته الصحيفة رسالة تحمل مؤشرات سياسية ظاهرة، وأخرى أمنية خفية. القراءة السطحية لخبر الصحيفة كما ورد، بالكاد يمكن إضافته إلى كمّ التحليلات السياسية التي تتحدث عن خطر الفراغ في موقع الرئاسة الأولى، وتأثيره في الاستقرار. وهو تحليل تستخدمه كل شخصية سياسية لبنانية كانت أم عربية أو دولية، في حال سؤالها عن مجريات الاوضاع في المنطقة، وربطها بالوضع على الساحة اللبنانية، الا أن ما حصل في اليومين الماضيين اللذين شهدا خضات أمنية، يفتح باب التساؤلات على مصراعيه بشأن ما نُشر. فقد كان في إمكان خبر إحدى الصحف السعودية الناطقة باسم النظام أن يمُر مرور الكرام، أو بالكاد كان المعنيون في لبنان سيفسرونه من باب موقف الرياض من الاستحقاق، لولا أنه سبق عودة مسلسل الإرهاب، الذي استهدف عدداً من المناطق اللبنانية. وقوع تفجيرين انتحاريين في منطقتين مختلفتين بعد أقل من أسبوع على نشر الخبر، أثار شكوك بعض الأوساط السياسية من أن تكون جهة إقليمية أو دولية تقصدت تمرير وشاية بأن لبنان دخل النفق المظلم إلى جانب سوريا والعراق، وأن الساحة اللبنانية باتت هي الأخرى صورة مستنسخة عن الساحتين السورية والعراقية، اللتين يتخذهما تنظيم «داعش» مسرحاً لعملياته.

في هذا الإطار تنقسم وجهات النظر السياسية في تفسير ما نشرته «عكاظ». فقد رأت مصادر فريق الثامن من آذار أن «الخبر يتخطّى التحليل السياسي، إلى حد أن يكون كاتب السطور أو مسرّبها على علم ودراية بما يخطط للبنان، أو حتى على اتصال بالجهات المنفذة»، وخصوصاً أنه «لا مسافة زمنية بعيدة بين ما نشر والأحداث التي وقعت». وترى المصادر أن هذا التزامن «يستدعي من المعنيين ملاحقة مصدر الخبر، فهو بالتأكيد أبعد من دائرة الصحيفة التي سرّبته»، وفيما ذهبت المصادر بعيداً بتفسيرها، تساءلت عن «هدف تمرير الخبر في صحيفة تعد الأولى بين المؤسسات الإعلامية في المملكة». وأشارت إلى أن «خطورة الموضوع تكمن في أن من اختار عكاظ منبرا لتوجيه الرسالة كان يعي ماذا يفعل، ويدرك حساسية الوضع اللبناني»، لذا «ارتأى توجيه رسالته عبر منبر سعودي لتأجيج الصراع المذهبي». في 8 آذار وجهة نظر أخرى عبّرت عن رأيها في خبر «عكاظ» على نحو صريح. لا يستغرب أصحاب وجهة النظر هذه ما نشرته الصحيفة السعودية، التي تُعدّ في رأيهم «لسان النظام السعودي». هؤلاء فسروا الخبر «كرسالة سياسية وأمنية من قبل المملكة المعروفة بدعمها للجماعات الإرهابية في سوريا والعراق ولبنان». يرون أن «القرار السعودي بتحويل لبنان الى ساحة للعمليات التدميرية قد صدر بعدما فشلت خططهم في سوريا»، وأن «المملكة تريد الاستمرار في حربها ضد حزب الله عبر استهداف اللبنانيين بهدف تقليب الرأي العام ضده». ورأى هؤلاء أن ما كتبته الصحيفة عن أن «المرحلة ستكون أشد احتقاناً وظلامية وبؤساً»، هو «نوع من تبشير اللبنانيين بموتهم على أيدي داعش وأخواتها».

في المقلب الآخر، لا يزال فريق 14 آذار على عادته. كل ما له علاقة بالمملكة العربية السعودية فوق الشبهة. تسخر مصادره من محاولة تضخيم الخبر وإعطائه بعداً أكبر مما يستحق. «هو مجرّد خبر صحافي تحليلي يوضع في إطار التحذير». في هذا الميدان الذي يتخطّى المهنة الناقلة للخبر، ليصبح بريداً للرسائل الأمنية، تختلف مواقف الأفرقاء وفق انتماءاتهم، حين يكون الخبر يصبّ في مصلحتهم يتبنّونه، وحين يتنافى معها يعدّونه مجرّد تلفيقات، أو في أفضل الأحوال أموراً لا تتخطّى التحليل. الشواهد كثيرة، عودة بسيطة بالذاكرة إلى «طنطنة» فريق 14 آذار بأخبار يتناقلها الإعلام الإيراني، حتى لو كانت تتحدّث عن النفوذ الإيراني في لبنان، ومن دون أن تحمل أي شبهة تهديد. ففي عرف 14 آذار، صحف إيران تعبّر عن وجهة نظر السلطة، أما في الخليج، فما يقال لا يتعدّى التحليل أو الهراء!