IMLebanon

إلى الأقطاب الموارنة

 

الـموارنة، أو ما تبقّى منهم في هذا الوطن، يحيّونكم أيها الزعماء، وفي قلوبهم حسرة وغصّة وألم. كل أتباع الناسك القديس، من بردى إلى أقاصي الأرض، يسألونكم : ماذا فعلتم بنا وبالطائفة ? أخذتمونا إلى حيث ما شئتم، وأوصلتمونا إلى حيث ما تريدون. مشينا وراءكم مثل قطعان الغنم، تارةً إلى أقصى اليمين، وطوراً إلى أقصى اليسار. حيناً مع السيادة والـحرية والإستقلال والحياد، وحيناً آخر مع السلاح والمربّعات ومع تحرير آخر شبر من لبنان وسوريا وفلسطين. قلتم لنا إن النظام السوري هو عدوّ المسيحيين ولبنان، فصدّقناكم ومشينا. ثم قلتم إن العدوّ الحقيقي للمسيحيين ولبنان هم التكفيريون و»داعش» و»جبهة النصرة»، فصدّقناكم ومشينا. قلتم لنا إن فرنسا وأميركا والسعودية هنّ أمهاتنا الحنونات، فقبلنا ومشينا. ثم قلتم لنا لا، إن سوريا وإيران وروسيا هنّ أمهاتنا الحنونات، فقبلنا أيضاً ومشينا. لم نرفض لكم أي طلب، ولم نتخلّ عنكم في أي محنة، في المنفى كنا معكم، فـي السجن كنا معكم، مشينا وراءكم كالنعاج، وحفظنا خطاباتكم كالببغاوات، رفعنا صوركم وأعلامكم وألوانكم في البيوت والقصور وفي الشوارع والأزقّة، حملنا السلاح وقاتلنا من أجل خياراتكم وطروحاتكم، هاجر منا مَن هاجر، وخُطف مَن خُطف، واستشهد مَن إستشهد، وبقينا على العهد وراءكم نردّد أقوالكم ونهلّل لكم. أنتم بالنسبة لنا أهمّ من مار مارون ومار بطرس وبولس، نقدّس كل كلمة تتلفظّون بها وكل موقف تتخذونه، عجائبكم وظهوراتكم حلَّت علينا، فأخذتم عقولنا وقلوبنا، حتى بتنا مستسلمين وراضخين بلا إرادة ولا رأي… ولكننا اليوم، ومع إقتراب شبح الفراغ إلى الكرسي الرئاسي، المركز المسيحي الوحيد فـي هذا الشرق، وبعضهم يدعونه بكل وقاحة مـجرد شغور مركز، إسمحوا لنا أن نسألكم لا أن نجادلكم : إلامَ سيؤدّي الفراغ هذه المرة ؟ هل تعرفون نتائجه وتداعياته منذ الآن ؟ لقد جرّبتم الفراغ عام 1988، فأدّى الفراغ إلى إشتعال الحرب، وإلى حكومتين، ثم إلى الطائف وخسارة سلطة القرار. وجرّبتم الفراغ عام 2008، فأدّى الفراغ إلى حوادث 7 أيار، وكسْر هيبة الدولة، وتدخّل الخارج في فرض الحلول وانتخاب الرئيس. هل ستعيدون التجربة وتقعون فـي فخ الفراغ (أو الشغور) ؟ فأيّ عاقل يُلدغ من الجحر ثلاث مرات ؟ هل ترغبون بطائف جديد أو مؤتمر تأسيسي جديد ؟ وماذا ستكون النتيجة ؟ مزيد من التهميش والتقهقر ومثالثة فـي أفضل الأحوال.

لم تعد الأيام الباقية تسمح لمزيد من المناورات والتكتيكات، أنتم أمام إستحقاق ميثاقي وكياني، وليس مجرّد إستحقاق إنتخابي. فإما تنقذونه وتنقذوا آخر موقع لكم في التركيبة الميثاقية التي وُضعت لأجلكم، وإما ستدخلون فـي بازار الأسماء والتدخلات والمفاوضات التي لا أحد يعرف نتائجها ومتى تنتهي. فماذا تنتظرون أيها الأقطاب الأحباء لتحزموا أمركم قبل فوات الأوان ؟ تأكّدوا جيداً أن «حزب الله» وحلفاءه لن يقبلوا بمرشح من 14 آذار، وتأكّدوا أيضاً أن «تيار المستقبل» وحلفاءه لن يقبلوا بمرشح من 8 آذار، ذلك لأن التباعد كبير في النظرة إلى مصير السلاح خارج الدولة، وإلى مستقبل لبنان ودوره. وفي حال تدخّلت الدول الإقليمية والدولية، المُنشغلة هذه الأيام في العراق وسوريا ومصر واوكرانيا، فإنها لن تتفق إلاّ على مرشح من خارج هذين الإصطفافين. إذاً، لماذا إضاعة الوقت وتحميل الوطن المزيد من التفكّك والتشنج والتدهور الإقتصادي والإجتماعي ؟ لماذا لا يكون الحلّ من صنع أيديكم وبمباركتكم ورضاكم؟ نعم، إن التخلّي عن «الأنا» والطموحات والأحلام صعب جداً، ويتطلّب الكثير من التضحية والعظمة، ولكن لا شيء أهمّ وأعظم من الوطن. إجتمعوا كلكم تحت مظلة بكركي، فهي الملاذ في الملمّات، واستعرضوا الأسماء مع غبطة البطريرك، واتفقوا على رئيس حرّ الإرادة والضمير، نظيف الكفّ وشجاع، يتّسم بالصبر والهدوء والرزانة، لا يخضع إلاّ للحق والقانون والدستور… فيقبله المسيحيون، ويفرح به المسلمون، ويلتف حوله الجميع، ويكون رئيساً قوياً لكل اللبنانيين لا لفئة منهم. وهكذا، تشاركون جميعاً في تدعيم موقع الرئاسة وإنقاذ الوطن. وإلاّ سيأتي يوم ليس ببعيد، نردّد مع غبطة البطريرك المقولة الشهيرة :» إبكوا كالنساء مُلكاً لم تحافظوا عليه كالرجال».