IMLebanon

إلى الانهيار.. سرّ !!

لا يمكن ان ينعت مطلق بلد في العالم بأنه بلد مهترىء ومنهار، الا اذا تحوّل كل شيء فيه الى «وجهة نظر» بمعنى ان تكون الدولة وجهة نظر، وكذلك الدستور، والقوانين، والمواقف، والثوابت، والحقائق والاستحقاقات، والسيادة، والاستقلال، والحريات، والشرف، والاخلاق، ويكفي اي مراقب، يرغب في معرفة ما هو مكان لبنان من الاعراب في هذه المعادلة، الرجوع الى العام 1988، تاريخ انتهاء ولاية الشيخ امين الجميّل، وحتى اللحظة، ليتأكد ان لبنان هو بلد مفعول به، وانه مهترىء ومنهار، وان استمراره كدولة ومؤسسات وحضور وتأثير بين دول العالم، هو استمرار شكلي، وقد يكون للعناية الالهية، يد في مكان ما، تردّ عنه الوقوع في خانة الدول الفاشلة التي لا تستحق الحياة، وحتى لا اغرق القراء بفيض من الامثلة حول هذا الوضع المزري الذي يواجهه اللبنانيون، والحياة البائسة التي يعيشون، ساكتفي بايراد مثلين او ثلاثة تعبّر بصدق عما تواجهه الامة اللبنانية، طول هذه الاعوام العجاف التي حوّلت لبنان من منارة لكل ما هو جميل، الى نفق مظلم، ترتكب في داخله جميع الموبقات، وفي شكل خاص خطايا نحر الدستور وتشويه مضمونه، وتجاوز القوانين وتسخيرها لمصلحة المرتكبين، وتغيير مفاهيم السيادة والحرية والحقيقة.

هل يعقل بعد، في القرن الواحد والعشرين، وفي دولة نظامها برلماني ديموقراطي، ان يفسّر الدستور، شخص واحد، ليس توافقياً في السياسة، وفق ما يراه هو مناسباً له ولفريقه السياسي، ولا يعتدّ بالمجلس الدستوري، المرجع الصالح لتفسير الدستور والقوانين، او على الاقل، الهيئة العامة لمجلس النواب، ليقولا كلمة الفصل، ويوقفا التفسيرات المختلفة المتناقضة التي تؤيد التفسير الاساسي، او تنقضه، او تزيد عليه او تنقص، كما هو الحال اليوم، في تفسير المادة 49 من الدستور التي تنص على آلية انتخاب رئيس للجمهورية، ففي حين يعتبر رئىس مجلس النواب نبيه بري ان رفع الجلسة بعدما افقد نواب 8 آذار النصاب، بانسحابهم المبرمج والمدروس والمدوزن، لا يعني انقطاع دورات الاقتراع، وبالتالي فان المرشح الذي يحصل على النصف زائداً واحداً في الدورة الثانية يفوز بالرئاسة الاولى، في حين ان رئيس مجلس النواب السابق حسيني الحسيني، يخالف تفسير بري، ويعتبر ان الدورة الثانية «طارت» عند رفع الجلسة، وعلى المرشح ان يحصل على ثلثي اصوات النواب ليفوز، كما ان هناك من يفسر المادة 49، بانه اذا لم يحضر ثلثا النواب في الجلسة الثانية المؤهلة للدورة الثانية، ينتخب رئىس الجمهورية بالنصف زائداً واحداً.

اما بالنسبة لموضوع السيادة، وهو موضوع اساس في حياة الشعوب فحدّث ولا حرج، لأن هناك فريقاً لا يعتبر ان سيادة لبنان انتهكت اذا اعتدت عليها دولة شقيقة، بل اذا اعتدت عليها دولة عدوة، وبالتالي لا يصح الاعتراض او الشكوى بالنسبة الى الحالة الاولى، وخيانة اذا لم يردّ على الحالة الثانية، وتكثر التفسيرات والتأويلات، وما من مرجعية تحسم الاختلاف في الآراء.

يبقى أخيراً «التخبيص» في ما خصّ الثوابت والحقائق حيث «وجهات النظر» تتناسى الثوابت، وتخفي الحقائق، وتطلق في كل مقام مقالاً، فتعطيل جلسات انتخاب رئىس للجمهورية، يعتبره البعض غير دستوري وغير وطني وغير اخلاقي، ويتشارك البطريرك الراعي مع قوى 14 اذار في هذا الموقف، في حين ان نائبه المطران سمير مظلوم، لا يتورع عن نقض ما يقوله البطريرك الراعي، ويصرّح بناء لطلب اصدقائه «انه يحق للنائب ان يقدر الظروف، وان يتخذ قراراً بالحضور أو عدمه»، وكأنه به يشرعن كنسياً تعطيل انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في هذا العالم العربي ذي الاغلبية الاسلامية.

الى الانهيار .. سر.