ملاحظة ضرورية:
من المناسب أن يقرأ الرئيس سعد الحريري هذه الرسالة، لوحده. ومن الأفضل له عدم مناقشتها مع مساعديه، لأن أصعب اللحظات، وأكثرها حراجة، عندما يتلقى أحد رسالة على أنها إشارة ضعف من الطرف الآخر، أو يفسر له المقربون الأمر على أنها تعبير عن حاجة، أو يهمس المبخّرون بأن عليه التفاخر لأن لا غنى عنه، أو عندما يركض السماسرة صارخين: ما هو الثمن؟
■ ■ ■
كل الوقائع القائمة في بلدنا، ومن حولنا، تدلّ على أنه يصعب على أحد إقناع الآخر بأسباب ما وصلنا اليه. ولأن المريض دخل مرحلة صحية حرجة، يتحوّل النقاش حول أسباب تدهور صحته مضيعة للوقت، وتأخراً في تشخيص حاجته الملحّة إلى البقاء على قيد الحياة. وعندما يموت المريض، يعود الجميع الى التراشق بالاتهامات حول من تسبّب بالموت.
لذلك، هل لسعد الحريري أن يختلي بنفسه قليلاً، وأن يفكر بأن الدور المطلوب منه، في هذه اللحظات، لا يمكن أن يطابق أي دور سابق له، وأن يتصرف على أنه أمام مسؤولية شخصية مباشرة تطال مستقبله الشخصي، كسياسي وكرجل أعمال وكإنسان، وأن دوره اليوم لا ثمن له ولا مقابل، وأن يقدم على خطوات تخرجه من دائرة الحسابات التي تجعله أسير الرعية والحلفاء والأوصياء جميعاً؟
لا بد له من ذلك، ولا بد لكل خصومه، من حزب الله الى أسامة سعد، أن يعرفوا أن لا بديل منه في مواجهة الأزمة القائمة، وأن الأمر لا يتعلق بحسابات محلية كالتي تسيطر على عقول التافهين المتكاثرين من حولنا، بل بكون الأزمة التي نواجهها لها جذرها المحلي، كما لها جذرها الإقليمي وحساباتها الدولية. والعلاج الحقيقي يبدأ بإزالة الأسباب الداخلية، أو تحييدها ومحاصرتها. والخيارات، هنا، ضيقة ومحدودة. وقد وصل الأمر إلى حد الخيار بين أمرين: إما سعد الحريري، وإما «داعش»؟
الوحش يقتلهأبناء جلدته ويخنقه من نما حولهم، ويهزمه من يمدّه بعناصر القوة والحياة
صادمة هي الخلاصة. لكنها لا ينبغي أن تكون كذلك للمتورطين في اللعبة، ممن يعرفون أن الوقائع القاسية للفتنة النشطة تقوم على ألاعيب صغيرة، ولاعبين صغار، وعلى حسابات ضيقة، تجعل من الفتنة منافساً للهواء، وقادرة على الانتشار بأسرع منه. ومتى وقعت، لا يبقى للعقل مكان، ولا للكلام، ولا للصمت، ولا للهدوء ولا للأبيض. عندها سيسود الصراخ والأسود وستسيل دماء.
لكن الحقيقة هي أن الحريري، نفسه، يعرف تمام المعرفة أن لا أصدقاء ولا أهل للوحش الذي يقتات أولاً الأقربين إليه. والحريري يعلم أنه وتياره وأنصاره ومريديه جميعاً أول ضحية للوحش، كما أنهم هم ضحية مفتوحة لكل محاولة لقتل الوحش. وما لم يبادر الى خطوة محسوبة، واضحة، وصادمة كونها لا تشبه أبداً ما سبقها، فسيكون عليه انتظار المشاهد السوداء تتتالى واحداً بعد الآخر. ولن يكون في مقدوره فعل شيء حيالها. حتى صراخه احتجاجاً لن يسمعه حينها أحد.
اليوم، لن يتم إخراج «داعش» من عكار والشمال وطرابلس وأماكن أخرى، ما لم يطلب أهالي تلك المناطق ذلك، وما لم يكونوا أول المنتفضين، ومن يطلق الرصاصة الاولى على عيني الوحش. وإذا كان هناك من يعتقد، وخصوصاً الحريري، بأنه يمكن الانتظار أكثر. وترقب صرخة استغاثة من حزب الله، أو راية بيضاء فوق قصر المهاجرين، فإن في ذلك أحلام يقظة لا علاقة لها بالواقع.
على الحريري رؤية الأمر من زاويته هو، ومن مصالح أهله هو. فليتصرف بانتهازية شديدة، ليصل الى الخلاصة التي تقول له إنه الهدف الاول لهذا الوحش. وإذا فعل، فسيجد نفسه في مواجهته. هذه حقيقة أخرى لا هروب منها. لكن الفارق أن الحريري، إذا قاد الحملة ضد وحش سيجهز عليه أولاً، سيجد كل الآخرين يمدون اليه يد العون الحقيقي. وفي هذه الحالة، ليس عليه أن يخشى استثمار الآخرين لمثل هذه المعركة. وأكبر ضمانة له، أن تجذر الانقسام والاستقطاب الطائفي والمذهبي لن يجعل أهله يذهبون الى مكان آخر.
اليوم، لا وجود لدولة قادرة على لعب دور. محزنة صورة «خلية الأزمة». وظلم أن يطلب الى تمام سلام قيادة معركة بهذا الحجم. ومجنون من يعتقد بأن الجيش اللبناني جاهز نفسياً وبشرياً وعملانياً لخوض معركة فاصلة.
اليوم، لا وجود لقوة يستعان بها من قريب أو بعيد لتقهر الوحش. حزب الله قادر على منع تمدده وإنهاكه ومنعه من الراحة. لكنه غير قادر، لا هو ولا النظام في سوريا، ولا إيران ولا روسيا، على خنق الوحش في مهده.
مأساة هذا الفصل من المواجهة القاسية أن الوحش لا يقتله إلا أبناء جلدته. ولا يقدر عليه إلا من نما حولهم، في غفلة عنهم أو بعلم منهم. ولا يقدر على التخلص منه إلا من يمدّه، عمداً أو من غير عمد، بعناصر القوة والحياة.
مسؤولية الآخرين مساعدة سعد الحريري على التقدم صوب خطوة بهذا الحجم، ومساعدته على القيام بهذا الدور. ومن يرد تصفية الحسابات معه، عليه انتظار الوحش ليأكل الحريري، ثم يتقدم صوب الآخرين يدميهم ليل نهار!