لم يكن اللبنانيون بحاجةٍ إطلاقاً إلى معركة عرسال إثنين، ليكتشفوا أنَّهم يعيشون في لا دولة… عرسال واحد كانت كارثة، فجاءت وراءها عرسال إثنان لتُشكِّل كارثة مدوِّية.
لم يكن اللبنانيون بحاجةٍ إلى الصرخات المتتالية للبطريرك الراعي، ليكتشفوا أنَّهم يعيشون في معمعة النظام البرلماني الذي يُمدِّد أكثر مما ينتخب، والتمديد الجديد على الأبواب.
لم يكن اللبنانيون بحاجةٍ إلى حنا غريب ونعمة محفوض، ليكتشفوا أنَّ وعود المسؤولين في ما خصَّ سلسلة الرتب والرواتب، هي وعود كاذبة فلا الخزينة تتحمَّل ولا الإيرادات متوافرة، ولو أُعطيت السلسلة لكانت الدولة أعطت بيد وأخذت باليد الأخرى.
لم يكن اللبنانيون بحاجةٍ إلى الإنتظار شهرين، ليكتشفوا أنَّ أبناءهم من الطلاب لن يحظوا بشهاداتٍ هذه السنة بل إنَّ آخر الدواء… الإفادات.
لم يكن اللبنانيون بحاجةٍ إلى أن يكون موسم الشتاء الذي مرّ هو موسم شح، ليكتشفوا أنَّ لا بنى تحتية ولا بنى فوقية، في ما يتعلَّق بتخزين المياه:
فلا سدود ولا برك إصطناعية ولا آبار تلبّي الحاجة، فكانت الفضيحة أنَّهم عاشوا ويعيشون تحت رحمة صهاريج، لا يُعرَف من أين تملأ خزاناتها وما هي المياه التي يبيعوننا إياها.
لم يكن اللبنانيون بحاجةٍ إلى وزير طاقةٍ صامت، ليكتشفوا أنَّ صمتَهُ ليس من نوع الصامت عن الحق بل الصامت عن العجز، فالتيار الكهربائي من سيئ إلى أسوأ، والشتاء على الأبواب وما يحمله من مُسبِّباتٍ للأعطال، فبماذا يَعِد اللبنانيين؟
لم يكن اللبنانيون بحاجةٍ إلى أن يعلقوا كلَّ يومٍ في ازدحام سير يمتدُّ من نهر الموت حتى جونيه، وعلى غيره من الأوتوسترادات ليكتشفوا أنَّ لا معالجات للمُسبِّبات القديمة والجديدة لهذا الإزدحام المُضني:
فلا معالجات لمسألة الشاحنات التي أصبحت شاحنات الموت، ولا معالجات للمتاجر على جانبي الطريق التي باتت تأكل من الأوتوستراد على عينك يا مسؤول.
لم يكن اللبنانيون بحاجةٍ إلى أن يعرفوا أنَّ عدد النازحين السوريين إلى لبنان قارب المليونين ليكتشفوا أنَّ مصيبةً ديموغرافية ستحلُّ بهم، خصوصاً أنَّ البلد غيرُ مجهَّزٍ لتحمُّل أيِّ عدد إضافيّ على أرضه. وهناك معلومات في هذا الخصوص، تشير إلى أنّه فيما لو حقَّق تنظيم داعش أيَّ توسُّعٍ جديد، فإنَّ النازحين السوريين إلى لبنان سيزدادون، ومَن يدري فقد نصل إلى يومٍ يصير فيه عدد النازحين مساوياً لعدد اللبنانيين المقيمين أي أربعة ملايين، فهل من بلدٍ في العالم مرَّ بهذه التجربة؟
لا يحتاج اللبنانيون إلى كثير من التفتيش، ليكتشفوا أنَّهم يعيشون في مزرعة وليس في دولة، وفي حقل ألغام وليس في جمهورية، فمَن لا يموت بسيارةٍ مفخخة أوعبوة، تستهدفه شاحنة لم يتعلَّم صاحبُها قوانين السير، وإذا تعلَّمها فإنَّه لا يُطبقها.
لا يحتاج اللبنانيون إلى كثير من التفتيش ليكتشفوا أنَّهم يعيشون في جمهورية التلوث:
فهواؤهم ملوَّث ومياههم ملوَّثة ومزروعاتهم ملوَّثة وأطعمتهم ملوَّثة وطرقاتهم ملوَّثة… وسياستهم ملوَّثة، فإلى أين المفر؟
لكلِّ هذه الأسباب مجتمعةً، نحن مقتنعون أكثر من أيِّ يومٍ مضى، بما كتبناه في هذه الزاوية عن جمهورية الفشل وجمهورية الإنتظار، وهذا ليس تحاملاً أو حملةً، فمَن لديه المنطق المعاكِس من المسؤولين فليتفضَّل وليُقدِّمه وليُقنِع به الناس ونحن.