IMLebanon

إلى مشروع ديموقراطي عربي مقاوم

هدف واحد حققه العدو في حربه على غزة. اكثر من الف وثلاثمائة شهيد حتى الآن، اكثر من نصفهم من الأطفال والباقي من الشيوخ والنساء وقلة قليلة منهم من ابطال المقاومة.

الأنفاق تفرخ نفسها وتتوالد. الصواريخ تتساقط محررة اجواء فلسطين في انتظار برها ملحقة جرحاً جديداً في ما تبقى من نظرية أمن اسرائيل.

في المقابل، حققت المقاومة اهدافا عدة:

أولها، ان هدف العدو في نزع سلاحها تدحرج نزولاً حتى اصبح مكتفيا بالأنفاق ويكاد يبلغ به الأمر حد مطالبة الراعي الأميركي والأصدقاء العرب بالضغط من اجل الوصول الى وقف لاطلاق النار. والكل يعلم أن «أصدقاء» اسرائيل من العرب، جاهزون لمثل هذا الهدف، تماماً كما نجحوا جزئياً بمحاصرة انتصار المقاومة اللبنانية عبر اتفاقية انقاذ العدو المسماة 1701.

ثانيها، استمرار تعميق السؤال المصيري لدى سكان فلسطين المحتلة من غير العرب، حول وظيفة الكيان الصهيوني، وهذه الوظيفة التي تبلورت مع اكتشاف النفط في أوائل القرن الماضي ووجدت إطارها باتفاق سايكس ـ بيكو الأول، هي اليوم موضوع قابل للبحث يكاد يتم اختصاره بكونه تجمعاً ليهود الشتات يستلزم الحماية ولا يستطيع لعب دور رأس الحربة. حتى المشروع الأميركي ـ الصهيو ـ عربي، في (سايكس ـ بيكو) الثاني يكاد لا يجد دوراً لهذه «الدولة»، بعد ان اسند هذا الدور للدول الدينية المتطرفة، وأولها النموذج «الداعشي» في العراق.

ثالثها، هو تأكيد مقولة أن المقاومة توحد ما فرقته اتفاقية أوسلو… وبالتالي فإن شهداء غزة وجماهير الانتفاضة في الضفة والغاضبين في كل ارض فلسطين، يضغطون اليوم على فصائل المقاومة كلها بحمل مشروع متكامل يدافع عن حق الشعب بدولته وعاصمتها القدس كما حق ابنائه بالعودة وبالتالي يثبت حقه بالمقاومة باشكالها كافة.

أما رابعها الذي لا بد من استكماله، فله علاقة بالموقف من الدول العربية وجامعتها المسخ… وفي هذا الإطار فإن منطق المقاومة يفرض على الجماهير العربية في كل الدول، المتواطئة بمحوريها، والعاجزة بحكم مشاكلها، إعادة تكوين أولويات انتفاضاتها ولعل جماهير مصر مدعوة قبل غيرها للضغط من اجل استعادة قضية فلسطين الى سلم أولوياتها، والاقتناع أن هذه القضية ليست ولن تكون بديلة عن العدالة الاجتماعية، التي تبقى وهماً طالما هي معزولة عن هم مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وراعيه الأميركي.

وهذا الأمر يطال العراق ايضاً، فسياسة المراهنة على الصديق الأميركي وسياسة ضرب الدولة والتمييز المذهبي، ساهمت بتغذية المشروع الأميركي – السعودي بتأسيس دولة داعش، والحل لا يكون باستمرار سياسة التفرقة المذهبية وبمشروع مذهبي آخر بل بمشروع يستعيد العراق الديموقراطي الموحد بتنوعه المتفاعل لا المتنابذ.

كما أن الأمر يطال سوريا، ظهير المقاومة، ونكتفي هنا بالتأكيد على ضرورة استعادة المبادرة الى حوار سوري داخلي، يحاصر القوى الإرهابية المسلحة ويوحد الشعب والجيش بمواجهتها. إن التصريحات الأخيرة لبعض المعارضة تدفع للقول إن هذا الحوار بين الدولة والمعارضة المتفلتة من القرار الأميركي – التركي – الخليجي اصبح ممكناً بل واجباً.

ولبنان توأم المقاومة ليس خارج هذه التأثيرات، وهنا ومرة جديدة، فإن الأزمة فيه أصبحت تتخطى لعبة التمسك بالنظام الطائفي تحت شعار الشراكة والمشاركة والصيغة واصبح الأمر يستدعي من القوى الحريصة الدعوة غير الملتبسة لتأسيس جديد، خارج إطار النظام الطائفي المنظم للتبعية بالمفرق للخارج.

نعم سقط الطائف ويجب ألا يعاد إحياء النظام الطائفي بشعارات جديدة وهذا التأسيس لا بد ان ينطلق من اساس واحد هو الإنتماء الوطني الموحد ومدخله الأساس اليوم هو رفض التمديد للأزمة عبر التمديد للمجلس النيابي بل اجراء انتخابات على قاعدة الدائرة الواحدة والقانون النسبي خارج القيد الطائفي لإعادة صياغة دستور جديد وإلا فإن على القوى الشعبية والنقابية والسياسية الديموقراطية أن تعمد هي، لرسم مسار تأسيسي شعبي يشكل قاعدة لبناء وطن جديد.

أما دول الخليج، فإن معركة غزة اليوم كما معركة لبنان عام 2006 وقبلها اجتياحه في العام 1982، كلها تثبت بأن سلطات هذه الدول هي سلطات عميلة تشكل جزءاً من المشروع الأميركي – الصهيوني، وهي إطار سرطاني اصبح ضرورياً استئصاله (برغم رياء وكذب بعض السياسيين و«المفكرين» اللبنانيين الذين يتحدثون عن الديكتاتوريات العربية.. ويدعمون السعودية).

احتراما لشهدائنا في فلسطين ولبنان، صار لزاما علينا طرح مهمة بناء مشروع عربي ديموقراطي مقاوم. نطرح هذه المهمة الآن ونحن الأضعف في ميزان القوى، كونها الوسيلة الوحيدة للتحرير والتغيير في العالم العربي.

(&) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني