“تسعى الدول الغربية والإقليمية البارزة والمؤثرة وفي مقدمها أميركا، الى الإنطلاق من نتائج حرب غزة لمحاولة تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية غير معلن عنها هي الآتية: أولاً – اتخاذ الإجراءات والخطوات الضرورية، بالتعاون مع مصر والسلطة الوطنية الفلسطينية وجهات مؤثرة أخرى، من أجل أن تكون حرب غزة هي الحرب الأخيرة التي تخوضها “حماس” ضد إسرائيل مما يتطلب تقليص القدرات التسلحية والقتالية للحركة الى أدنى حد تدريجاً وبأساليب متنوعة. ثانياً – العمل، بالوسائل السياسية والديبلوماسية والضغوط المتنوعة، على إنهاء حكم “حماس” في غزة ووضع حد نهائي لعملية الإنقسام الفلسطيني التي نفذتها الحركة عام 2007 بدعم وتشجيع من إيران وسوريا اللتين أحبطتا المصالحة الوطنية الفلسطينية بعدما نجحت السعودية في إنجازها في شباط من ذلك العام والتي أدت آنذاك الى تأليف حكومة وحدة وطنية فلسطينية أسقطها إنقلاب “حماس”. ثالثاً – استغلال النتائج الكارثية لحرب غزة من أجل تعزيز نفوذ المعتدلين الفلسطينيين ودور السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس مما يؤدي الى توحيد الموقف السياسي والديبلوماسي الفلسطيني تمهيداً لتولي إدارة الرئيس باراك أوباما مسؤولية إطلاق عملية تفاوض جديدة تشمل مختلف جوانب الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي”.
هذا ما أطلعنا عليه مسؤول أوروبي بارز معني مباشرة بالمفاوضات العلنية والسرية الجارية في القاهرة وعواصم أخرى من أجل تثبيت الأمن والإستقرار في غزة تمهيداً لإعادة الحياة الطبيعية تدريجاً اليها. وقال: “إن “حماس” فشلت في إدارة شؤون غزة وفي تحقيق أي مكاسب ملموسة للفلسطينيين منذ سيطرتها على القطاع عام 2007 وارتكبت جملة أخطاء مهمة، مركزاً في هذا المجال على الأمور الرئيسية الآتية:
أولاً – لم تستطع “حماس” أن تحقق هدفها الرئيسي وهو أن تكون بديلاً من القيادة الفلسطينية الشرعية ومن السلطة الفلسطينية المعترف بها عربياً وإقليمياً ودولياً على أوسع نطاق، وفشلت في أن تثبت انها قادرة، من طريق خيار المقاومة المسلحة المتواصلة، على أن تحقق للشعب الفلسطيني مكاسب وإنجازات أفضل من تلك التي حققتها قيادة محمود عباس المتمسكة بالخيار السياسي – الديبلوماسي – السلمي في التعامل مع إسرائيل.
ثانياً – أعطت “حماس” في السنوات الأخيرة الأولوية لتعزيز الإنقسام الفلسطيني ومحاولة تثبيت سيطرتها على غزة وليس لتحقيق وتعميق المصالحة الفلسطينية والتفاهم مع القوى الأخرى على استراتيجية مشتركة للتعامل مع إسرائيل من أجل محاولة ضمان المطالب الحيوية المشروعة للفلسطينيين.
ثالثاً – الحروب الثلاث التي خاضتها “حماس” ضد إسرائيل في الأعوام 2008 و 2012 و 2014 أظهرت عجز هذه الحركة عن تغيير الواقع الفلسطيني وعن تعزيز قدرات الفلسطينيين في التعامل مع إسرائيل، بل انها أضعفت الموقف الفلسطيني وألحقت أضراراً كبيرة بالغزاويين وزادت معاناتهم. وبدا في السنوات الأخيرة وكأن المعركة الأساسية هي العمل على إنقاذ غزة من حروب “حماس” وليس السعي الى ضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وأوضح المسؤول الأوروبي “أن “حماس” تواجه اليوم عزلة عربية وإقليمية ودولية ضاغطة وواسعة وغير مسبوقة وتتحمل هي مسؤوليتها الأولى. لقد أثبتت “حماس” انها قادرة على تفجير المواجهة مع إسرائيل في أي وقت من غير التفاهم سلفاً مع القيادة الفلسطينية، لكن الحركة عاجزة عن تحقيق الأمن والسلام والإستقرار في غزة من غير التفاهم مع خصومها الفلسطينيين والعرب والغربيين ومع أعدائها الاسرائيليين”. وأضاف: “إن أي إتفاق يهدف الى إنهاء القتال في غزة وفك الحصار عن القطاع وفتح المعابر، على الأقل معبر رفح، كي يتمكن الغزاويون من الخروج من عزلتهم الخانقة والعيش حياة طبيعية، يتطلب موافقة مصر المعادية ﻠ “حماس” وإسرائيل عليه، ويتطلب أيضاً إنهاء إستقلال غزة وإخضاعها للسلطة الوطنية الفلسطينية ونشر مراقبين أوروبيين على الحدود وتفعيل دور حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية والتفاهم على ضمانات دولية لوقف تهريب الأسلحة الى القطاع ومنع استخدام الأنفاق لمهاجمة الإسرائيليين”.
وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: “إما أن ينتهي حكم “حماس” في غزة فتكون هذه الحرب هي الأخيرة التي يشهدها القطاع، واما أن تتمسك “حماس” بدولتها وسلطتها وأسلحتها فتظل غزة وحدها في حال مواجهة مدمرة مع إسرائيل”.