IMLebanon

إن لم تكن هذه فيديرالية فبربّكم كيف تكون؟

ستجد تجربة حكومة “المصلحة الوطنية” مَن يدافع عنها بين مسيحيي لبنان بصفتها صيغة لحكم جماعي، أو قل مجلساً رئاسياً انتقلت إليه صلاحيات رئيس الجمهورية الغائب بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.

“آخر الرؤساء” ميشال سليمان؟ لعلّ من أطلقوا هذا التعبير الفج أرادوا معاقبة الطائفة أو البيئة الفكرية التي ينتمي إليها الرجل على مواقفه خصوصاً في السنة الأخيرة من عهده، مستفيدين ومستندين إلى مواقف حليف ينظر إلى الرئاسة من زاوية “عمرها لا تكون إذا لم تكن لي”. ولا شيء يوحي أنه سيخرج قريباً من خندق يقطع طرق العودة إلى وضع طبيعي لدولة لبنانية يترأسها رئيس جمهورية.

في معزل عن تحليلات سياسية – منطقية بلا شك – تضع القرار بانتخاب الرئيس أو استمرار الفراغ في جيب السيد حسن نصرالله بل في جيب رئيسه الأعلى في طهران السيد علي خامنئي، تحليلات تقول إنّ حكام طهران يجمعون مصائر العراق وسوريا وفلسطين ولبنان وشعوبها لطرحها على طاولة التفاوض الجارية مع واشنطن. ثمة في بيروت من بدأ يتنبه إلى واقع جديد قد لا يكون بالقتامة التي بدا عليها من النظرة الأولى إلى فراغ القصر الجمهوري بعدما غادره الرئيس سليمان وعائلته.

فبدون مسعى أو جهد من أي جهة، وكثير تنظير، تكوّن في لبنان مركز جديد للسلطة بأدواتها وقدراتها كاملة. كان موجوداً من قبل ولم يكن القرار كله في يده. إنه مجلس للوزراء تتمثل فيه الطوائف والمذاهب، ولكل منها، بل لكل مكوّن فيها إجمالاً الحق في “فيتو” يعطّل القرار إن لم يناسبه. يستلزم ذلك تالياً إرضاءه كي تتسهل وتتيسّر مصالح الجميع. أليست حكومة “المصلحة الوطنية”؟

فلندع العواطف جانباً. قد يكون اللبنانيون يحب بعضهم بعضاً، وقد لا يحبّون بعضهم بعضاً، مؤمنين بفرادة تجربة العيش معاً (التعايش) أو معانين بسببها كافرين بها ولكن باقين داخل دائرة العلاقة الصعبة لأن لا خيار آخر أمامهم.

الأكيد أن تجربة حكومة الرئيس تمام سلام النادرة قدمت إجابة إيجابية إلى من كانت تقلقهم أسئلة المستقبل (الزمن الآتي وليس “التيار”). أسئلته المصيرية عن ضمان الإستقرار وحضور الآخرين المختلفين ودورهم، واحترام الحريات، والتعدد والتنوع، بالفصل عن متغيرات ديموغرافية وتوسع وموازين قوى تنتج من تحالفات خارجية وتفرض أثماناً باهظة كل مرة على من يريد أن يقاومها ويتصدى لها، على ما فعل المسيحيون والمسلمون بعضهم ببعض بدءاً من 1975، وعلى ما لا يزال يفعل بعض اللبنانيين بتحالف مع محور إقليمي يضطر الباقين إلى التحالف مع محور آخر حفاظاً على ما تبقى لهم من دور في تحديد سياسة لبنان وتموضعه الإستراتيجي. ربما، ربما حمل الواقع الحالي، والمفترض أنه موقت من حيث لا نعلم ولا ندري حلاً لوضع تخبط فيه مسلمو لبنان ومسيحيوه منذ نشوء دولة لبنان الكبير سنة 1920، ولكأنه الشمس تحاشوا النظر إليه مباشرة.

مسيحيو لبنان لطالما أقلقتهم مواضيع تأمين الإستقرار والحرية والإزدهار للبنان كي يبقوا قادرين على العيش فيه، هم وأولادهم، ومع الشركاء في الوطن. كانوا يظنون رئاسة الجمهورية صمّام أمان وضماناً للدفاع عن هذه “المصلحة الوطنية” التي يستفيد منها الجميع.

اليوم، بعض الإنتلجلنسيا المسيحي بدأ يسأل : هل كان المسلمون منزعجين، هل هم منزعجون اليوم، وسيكونون كذلك غداً لكون رئيس الجمهورية مسيحياً، ومن الطائفة المشدودة تاريخياً، عن خطأ او عن صواب إلى ثقافة الغرب، إن لم يكن سياساته؟

فلنقلب السؤال، يقول هؤلاء، افتراضاً كان رئيس الجمهورية مسلماً وبصلاحيات ما قبل الطائف أو حتى بعضه، أما كان المسيحيون أو بعضهم شعروا بانزعاج وحاولوا بكل الوسائل تقليص صلاحياته كما فعل شركاؤهم في الوطن؟

فلنكن منطقيين وعقلانيين، يقول هؤلاء. لن يعيد الشركاء – الرفاق – الأخوة في الوطن صلاحيات إلى رئيس الجمهورية أخذها الطائف ووضعها في مجلس الوزراء. ولكن التجربة الجديدة في حكومة الرئيس تمام سلام، السلس الدمث والذي يراعي الجميع ولا يضايق أحداً، فتحت العيون على ما كان مخفياً بـ “قشرة بصلة”.

لقد تبين أن أمور لبنان وشعبه تسير برئيس جمهورية ومن دونه، وبحد أدنى من التوتر. قد يكون وجوده واجباً كرمز للدولة، ولكن ماذا يمنع إذا كنا جميعاً ننشد الإستقرار وحسن التعايش والشعور بالمساواة العودة إلى قراءة في كتاب النائب السابق مانويل يونس، الذي رحل قبل أيام، وفيه اقتراح مجلس رئاسي على النمط السويسري يتولى أعضاؤه الرئاسة مداورة. لم لا؟

لا ندعو، يقول بعض الإنتلجنسيا أصحاب هذا الرأي، إلى فيديرالية طائفية أو إتنية، على غرار المطروح على دول المنطقة. لا ندعو إلى شيء نظري بل إلى تفكر في الواقع القائم اليوم في لبنان. إن لم تكن هذه فيديرالية فبربكم كيف تكون؟