رفعت طهران الغطاء تدريجا عن نوري المالكي. لم تترك له خيارا الا التنحي. لكنها بالتخلي عن رجلها في بغداد، لم تخسر العراق، خلافاً للسيناريو المفترض الذي تخشاه في سوريا، فهي لا ترى حتى الان بديلا من الاسد لابقاء سوريا في دائرة نفوذها.
تذكّر المعلومات المتداولة عن “ليلة” الانقلاب على المالكي، بما سبق اعادة تكليفه رئاسة الوزراء عام 2010. حينذاك تولى الرجل الاقوى في العراق وربما في الشرق الاوسط الجنرال قاسم سليماني، حل الازمة السياسية في العراق التي استمرت ثمانية أشهر. فعلى رغم النفوذ الذي كان الاميركيون لا يزالون يتمتعون به في هذا البلد، استدعى قائد “فيلق القدس” الزعماء العراقيين المدينين لبلاده بعد سنوات من الدعم السياسي والمالي ، وأملى عليهم وصايا المرشد الاعلى: المالكي يبقى رئيسا للوزراء وجلال طالباني يبقى رئيساً، والاهم أن القوات الاميركية تنسحب بحلول نهاية 2011 . ومع ذلك، مضت واشنطن في التسوية الايرانية للعراق ورمت بثقلها خلف المالكي على رغم التحفظات الكبيرة لديبلوماسيين أميركيين يعملون في بغداد.
بعد نحو أربع سنوات ، ومع التراجع الكبير للدور الاميركي في العراق، يبدو واضحا أن طهران لاتزال لها الكلمة الفصل في بغداد. وثمة تقارير عن أن سليماني تولى بنفسه الاشراف على عملية اطاحة المالكي، وأنه ذهب الى العراق بتكليف من المرشد وبتوصية بالتنسيق مع المرجعية في النجف لاختيار شخصية مناسبة لرئاسة الوزراء. لكنّ واشنطن لم تكن بعيدة من أجواء هذا الاختراق في الازمة السياسية في العراق. ففيما أعلنت طهران ترحيبها باختيار العبادي، كانت واشنطن أول المرحبين به. ويقول ديبلوماسيون أميركيون إنهم بدأوا منذ حزيران الماضي حشد الدعم لعبادي في الاوساط الشيعية.
وفي اي حال، يعكس تخلي طهران تحديداً عن المالكي ثقتها بامكان توافر بديل منه يحفظ مصالحها الحيوية في هذا البلد. واستنادا الى المواقف المتوافرة له، يدرك رئيس الوزراء المكلف أهمية الروابط بين البلدين. وهو أقر صراحة في حديث الى “الهافينغتون بوست” في حزيران بأن بغداد قد تطلب دعما ايرانيا لمقاتلة “الدولة الاسلامية”، إذا لم تحصل غارات أميركية لردع المقاتلين.
ويبقى السؤال الملح :هل ينجح العبادي حيث أخفق المالكي؟. في الحديث نفسه الى المجلة الاميركية أقر بأن على الحكومة الاصغاء الى شهادات عن “التجاوزات” التي ارتكبتها القوى الامنية كي تقرر سبل الرد.وكان واضحا أيضاً أنّ على بلاده تجنب الانجرار الى نوع من الحرب ترغب فيه “الدولة الاسلامية”. ومع أن هذا الرجل يتحدر من “حزب الدعوة” الذي ينتمي اليه المالكي، فهو بحسب الخبير في الشؤون العراقية ريدر فيسر، يتمتع بدعم أكبر في أوساط الاكراد والسنة. ولكن قبل اختبار مؤهلات العبادي، يجب أن يقبل المالكي بالهزيمة، فهل يذعن أم يتحول صدّام آخر؟