إيران تُواجه «الحرب» السعوديّة «المذهبيّة» بمُعادلة « وداوني بالتي كانت هي الداء».
. «المستقبل» يعكس رغبات سعوديّة بالحفاظ على «الستاتيكو» وتحييد الساحة اللبنانيّة
حزب الله يتعامل بحذر مع «التطمينات» .. لا يُريد توتّرات .. «وملائكته» حاضرة في العراق
تحريك «مياه» الاستحقاق الرئاسي «الراكدة» هذا الاسبوع من خلال حراك داخلي يصل مداه الى العاصمة الفرنسية باريس لا يبدو انه سيكون مقدمة لحلحلة قريبة تنتج ولادة الرئيس العتيد الموضوع اقليميا ودوليا على «رف الانتظار»، فلا صوت يعلو هذه الايام على صوت المعركة الدائرة في العراق، الاولويات تبدلت في المنطقة وتركت اثارا مباشرة على القوى السياسية المؤثرة على الساحة اللبنانية، فمشاعر القلق العارم من «ارتدادات» الحدث العراقي الخطير وضع الجميع امام مسؤوليات وتحديات كبيرة في ظل استبعاد تقديم اي طرف اقليمي «هدايا» مجانية مع بلوغ الصراع والكباش حدود «الغليان»، فلا ايران مستعدة لدخول في حوار تحت الضغط، ولا السعودية تبدو مستعدة للدخول في حوار مع طهران وفقا لشروطها، وهذا يعني مراوحة «قاتلة» لان «الانتظار» هذه المرة يحصل فوق «فوهة بركان» حيث يشعر الجميع بحرارة الحمم البركانية القابلة للانفجار في اي لحظة. فما الذي يجعل من الازمة الراهنة الاكثر خطورة ؟ وهل ثمة تبدلات في اولويات حزب الله وتيار المستقبل؟
هذا التوصيف «المتشائم» للواقع، لا يحمل اي مبالغات، بحسب اوساط دبلوماسية متابعة لهذا الملف، فما يحدث خطير لان «اللاعبين» الكبار قرروا ان يرموا اوراقهم دفعة واحدة، فاما «تصيب او تخيب» كما يقول المثل المصري، فالسعودية تريد بكل وضوح ان تثبت ان المشروع الإيراني في المنطقة يتداعى، وتريد افهام الايرانيين انهم غير قادرين على إعادة الاستقرار للمنطقة دون «تفاهم» يأخذ بعين الاعتبار مصالحها، فاما يحصل هذا الامر او ان الرياض مستعدة لتمويل حرب استنزاف حقيقية على امتداد جغرافيا المنطقة، لتوريط إيران بمعركة ضد السنة في كل مكان.
وفي هذا السياق تفهم طهران «الرسالة» «الداعشية» من «ابواب» الموصل، تضيف الاوساط الديبلوماسية فثمة «صورة» بدأت تكتمل ملامحها، ولم تكن تحتاج الى الكثير من العناء كي تتظهر، اذا كانت «ايران غير «متحمسة» لتلبية دعوة الرياض الى بدء «التفاوض» على الملفات الساخنة في المنطقة وفقا للشروط السعودية، اذا فالنجرب تغيير المعادلة في العراق لتعديل ميزان القوى الذي فشلنا في تحقيقه في سوريا». ومن هنا تدرك القيادة الايرانية ان ما حصل في الموصل هو رد على انتصار خيارها السياسي في الانتخابات العراقية، وخروج الاطراف السياسية المحسوبة على السعودية «بخفي حنين»، وهو رد ايضا على المأزق الذي وصلت اليه المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً، بعد اعادة انتخاب الرئيس بشار الاسد لولاية ثالثة، والتطورات الميدانية الحاسمة لمصلحة النظام السوري، وطهران تدرك ايضا ان السعودية لم «تهضم» تقاربها مع سلطة عمان والكويت والامارات وقطر، وكذلك اعادة ترتيب علاقاتها مع تركيا، كما تعرف جيدا ان القيادة السعودية تعيش حالة من التوتر والقلق بفعل التقارب الاميركي – الايراني الذي قطع اشواطاً على طريق التوصل الى اتفاق على البرنامج النووي الايراني، وهي تعرف جيدا ما سيترتب من نتائج على ذلك، فاحتمالات تطبيع العلاقات الايرانية مع الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة، سيخلق واقعاً جيوسياسياً جديداً في الشرق الاوسط. اذا ما الحل؟
الحل يكون «بإنهاك» ايران، تقول الاوساط، واظهارها امام الغرب بانها دولة غير قادرة على حماية الاستقرار في المنطقة، ولذلك فان الهدف ليس فقط ضرب المشروع الايراني في العراق وانما ثمة سعي جدي لاغراق ايران في «المستنقع» العراقي من خلال توريطها بتدخل مباشر في حرب مفتوحة سيكون لها ما بعدها وما قبلها، واذا ما تم التمعن بحدود «الدولة الاسلامية» التي تقيمها «داعش» بين المحافظات السورية الشمالية والشمالية الشرقية امتداداً الى محافظات الوسط العراقي، يمكن الوصول الى خلاصة واضحة تفيد بان من خطط لهذه الحدود يريد كسر امتداد المحور الايراني – العراقي -السوري مع «حزب الله». وهم يعرفون ان ايران لن تسمح بذلك، وهنا يتم الاستدراج.
وتلفت تلك الاوساط الى ان الرياض تحاول ايضا من خلال هذه الخطوة «ابتزاز» الادارة الاميركية من خلال تدفيعها ثمن خياراتها «الايرانية» في المنطقة، فهي تريد احراج اوباما امام الرأي العام الاميركي الذي يملك «حساسية» مرهفة تجاه الارهاب، بالايحاء ان سياسته في المنطقة ادت الى انتصارات متتالية لـ «داعش» و«القاعدة» و«جبهة النصرة» التي تكسب المزيد من الدعم والتعاطف والمال والمقاتلين، من جراء تغاضي الرئيس الاميركي عن «مظلومية» الشعب السوري والعراقي، وتردده في التدخل العسكري في سوريا او تقديم مساعدات عسكرية للمعارضة، وهي تريد ترسيخ معادلة مفادها ان ظهور التنظيمات المتطرفة هو نتيجة طبيعية لسياسة أوباما «الفاشلة» فالسنّة يجدون أنفسهم من دون نصير ومن دون غطاء في العراق وسوريا، وهذا يحتاج الى تعديل في السياسة الاميركية واعادة نظر في التعامل مع الازمة السورية ونظرية التقارب مع ايران. لكن كيف تعاملت طهران مع التحدي الجديد؟
طبعا تفادت القيادة الايرانية الوقوع في «المصيدة»، تضيف الاوساط ولن تتدخل مباشرة في العراق الا في اطار مجهود دولي يغطي هذا التدخل، لكنها في الوقت نفسه لم تعد معنية بتغطية «الشمس بالغربال»، فاذا كانت السعودية تريد خوض حرب طائفية ومذهبية في المنطقة انطلاقا من العراق وقبله سوريا، فعليها تحمل النتائج والتداعيات، فالحديث عن الدفاع عن «مظلومية» اهل السنة لم يعد بالامكان «هضمها» فيما تشن المملكة حربا ضروسا على «الاقلية» الشيعية في العالم الاسلامي في اطار مغلف بشعارات لم يعد بالامكان تحملها، ومن هنا كان الرد عراقيا عبر المرجعيات الدينية والسياسية باعلان التعبئة العامة «المذهبية» لخوض الحرب كما هي ودون مواربة، فثمة «جحافل» متطرفة مدعومة لوجستيا واستخباراتيا تشن حربا دينية على العراقيين ولن تكون المواجهة ناجحة الا من خلال تطبيق المقولة الشهيرة «وداوني بالتي كانت هي الداء»، ومن اراد فتح هذه المعركة عليه ان يتحمل نتائجها، ومن يستطيع حماية نفسه فهو واهم لانه فتح «ابواب» الجحيم على مصراعيها، وقد تبدلت قواعد «اللعبة» الان ومن يريد الحوار فعليه ان يأتي الى الطاولة وفقا لشروط جديدة اصعب مما كانت عليه سابقا. اما محاولة التأثير على الحوار الغربي مع ايران فهو غير مجد بعد ان قطع اشواطا مهمة، وستكون الحرب على «الارهاب» عنوانا جديدا للتقارب الذي سيتحول قريبا الى تعاون.
وحتى يحين وقت «التسويات» لا تبدو الاطراف اللبنانية معنية بالتصعيد الداخلي، ووفقا لمعلومات قوى الثامن من آذار، فان تيار المستقبل ارسل اشارات تفيد بعدم وجود اي رغبة في تعديل التفاهمات الراهنة التي امنت الاستقرار القائم، بل ثمة قناعة بعدم وجود مصلحة في اعادة خلق التوترات الامنية الداخلية بفعل ضعف هيكلية التيار والخوف من سيطرة التيارات المتطرفة على الشارع السني، لذلك فهم ان السعودية غير راغبة في استخدام الساحة اللبنانية «ورقة» للضغط على ايران وهي معنية بالحفاظ على «الستاتيكو» القائم، لانعدام الفائدة من هذا الاستقرار الذي ستكون نتائجه عكسية.
في المقابل يبدو حزب الله مرتاحا لهذه المعطيات بحسب مصادر مقربة منه ويتعامل معها بجدية وتعاون كاملين، وهو صاحب «مصلحة» في الاستقرار لكنه يدرك انه لا يمكن الركون لهذه «التطمينات» لان الكثير من الملفات خارج سيطرة «المستقبل»، لكنه يتعاون لانجاح اي جهد يخفف الاحتقان الداخلي، فهو يدير مواجهة واسعة في سوريا، وهو معني بما يحصل في العراق، كونه اول المستهدفين ولذلك لا يمكن ان يبقى بعيدا عن متابعة هذا الملف المتفجر، طبعا ليس بوارد ارسال مقاتلين الى هناك، لكن الحركة المكثفة خلال الساعات القليلة الماضية لكبار القيادات العراقية الدينية والسياسية في بيروت وتواصلها مع قيادة الحزب تشير بوضوح الى ان «ملائكته» حاضرة هناك، وهي تملك حضورا فاعلا ومؤثرا ستتظهر نتائجه في المرحلة المقبلة كما ظهرت ابان مقاومة الاحتلال الاميركي في العراق. أما الملف الرئاسي فلن يتحرك الا اذا قررت السعودية التراجع «خطوة» الى الوراء من «البوابة اللبنانية»؟