تابع المسؤول نفسه في “الإدارة” الأميركية المهمة الثالثة الذي يتابع ومن قرب الأوضاع في دول المغرب العربي حديثه عن الجزائر، قال: “الأمور ليست على ما يرام في الجزائر. عندها حوالى 240 مليار دولار أميركي جراء الثروة النفطية، ورغم ذلك تسأل: ماذا يحصل ولماذا الانزعاج الشعبي؟ لم يفعلوا شيئاً. ليس هناك تطوّر. فرص العمل غائبة. عشتُ في الجزائر سنوات في العقد الأول من الألفية الثالثة رأيت شعباً جامداً وبلاداً جميلة ونظاماً قاسياً لا يتطوَّر. هناك نظام ديموقراطي شكلاً. لكن عملياً الديموقراطية غائبة في الجزائر. ما يؤخِّر أو ربما يمنع الانفجار في هذه البلاد هو أن الحرب الأهلية أي التي وقعت بين الإسلاميين والسلطة والعلمانيين والتي استمرت قرابة عشر سنوات لا تزال حيَّة في الذاكرة. وقد عانى بسببها الجزائريون كثيراً. ولذلك فإنهم يتحاشون الوقوع في حرب جديدة، ويبذلون كل ما يستطيعون لإبقائها بعيدة منهم. في الجزائر شيء من الحرية ومن حرية الصحافة، لكن الديموقراطية عموماً فيها تبقى نسبية”.
انتقلتُ إلى تونس فسألت عن حالها بعد التطورات المتنوعة التي حصلت فيها بعد “ثورة الياسمين” التي كانت باكورة ما سمي لاحقاً “الربيع العربي”. أجاب: “أنا سعيد وفرِح بتجربة تونس. ربيع عربي حقيقي. في البداية حاول “حزب النهضة” الإسلامي بزعامة الغنّوشي السيطرة على السلطة رغم ادعائه قبل ذلك أنه ضد حكم الشريعة و”الإخوان المسلمين” الذي هو وحزبه منهم. وحاول أيضاً الاستيلاء على كل شيء، وترك “السلفيين” يتحرَّكون كي يقول “التوانسة” أن “النهضة” أو “الإخوان” أفضل منهم وتالياً كي يؤيدوهم. لكن ذلك ساهم في ولادة الإرهاب الإسلامي التونسي وفي نموّه واستمراره داخل تونس. وهو ليس إرهاب حدود. فهذا النوع من الإرهاب يُقاوم أو يحارب بالتعاون مع الدولة أو الدول التي على الجانب الآخر من الحدود. ولذلك فان مقاومته صعبة. ورغم ذلك فان التعاون في هذا المجال قائم بين تونس والجزائر”. علّقتُ: “حزب النهضة” وزعيمه الغنّوشي يجب أن يشكرا الشعب التونسي غير الإسلامي سياسياً لأنه خلّصهما من مصير مشابه لمصير “إخوان” مصر ورئيس جمهوريتهم محمد مرسي. ذلك أنه بإصراره وتظاهراته ورفضه تسلُّط “الإسلاميين” وغير الإسلاميين فرض عليهما أي الحزب والغنّوشي قبول الحوار ومن ثم إنجاز دستور يُمكن اعتباره نموذجياً في العالم العربي. وافق المسؤول نفسه على ذلك. ثم أضفتُ أن تونس مَدينة لبورقيبة رغم أنه مارس حكم الشخص الواحد عقوداً. لكنه وضع أُسساً راسخة ساهمت في محو الأمية ونشر التعليم وخصوصاً تعليم المرأة وتمكينها من العمل والتحوُّل شريكاً للرجل في المجتمع التونسي. وبسبب الثقافة صار التوانسة متمسكين بما حققوه ورافضين العودة إلى الوراء، وجاهزين للدفاع عن مكتسباتهم ولو بالتظاهر وحتى القتال. ردّ: “الجيش في تونس ليس كبيراً وليس قوياً. زين العابدين بن علي الرئيس المخلوع لم يحكم بواسطته. هو حكم بواسطة قوى أمن وشرطة وأجهزة أمنية إذ استعملها لتعزيز نفوذه وسلطته. لكنه لم ينجح في ذلك. ربما كان الغنّوشي يريد أن يصبح بن علي جديداً. في تونس حركة جدية وعمل أكثر من الجزائر رغم فقرها هي والثروة الجزائرية. تونس اشتراكية Socialist على الطريقة الفرنسية وبسبب تأثير فرنسا فيها. يجب أن يتعلم شعبها “المقاولة” (Entrepreneurial). أملنا كبير في تونس”. علّقتُ: على أميركا أن تساعد تونس ليس بفرض أنموذج سياسي عليها بل بمساعدتها في الأمن ومكافحة الإرهاب وبتشجيعها على تطبيق الدستور واحترام المؤسسات وحقوق الإنسان. ردّ: “هناك تعاون على كل هذه الصعد. على كل، القطريون دفعوا وربما لا يزالون يدفعون في تونس أموالاً للإسلاميين. السعودية ربما تدفع أيضاً ومعها الإمارات”.
وصلنا بعد ذلك في البحث إلى ليبيا، سألتُ: من يحكمها؟ وماذا يحكمها؟ وهل هناك حكم فيها؟ أجاب المسؤول الأميركي نفسه: “كان العقيد معمر القذافي حاكم ليبيا ديكتاتوراً بارزاً (Outstanding). عوَّد الناس على عدم العمل وعلى الكسل وعلى قبض رواتب شهرية تمكّنهم من العيش. لم تكن في ليبيا حكومة. كان هناك وزراء لا يعرفون شيئاً. يؤمرون فينفِّذون. كانت هناك بيروقراطية تابعة له. وهو استعمل القوة والحديد والنار لإرساء حكمه وإدامته. الشعب الليبي لا يريد أن يكون في دولة مثل السعودية أو إيران أو في دولة منفتحة كلياً. إنه شعب محافظ”.
سألتُ: ما هي الدولة التي يريدها الشعب الليبي؟