لا نعتقد ان الجهتين السياسية والعسكرية المعنيتين بملف المفاوضات التي يفترض انها بدأت او ستبدأ في شأن تحرير الأسرى العسكريين لدى التنظيمات الأصولية يعوزهما وعظ وتنبيه الى الخطورة الاستثنائية التي يواجهانها. فالمواجهة الشرسة التي حصلت في عرسال وكذلك الممارسات الإجرامية لهذه التنظيمات كفيلة بكشف طبيعة العدو الذي تواجهه الحكومة اللبنانية والجيش هذه المرة وهو ليس من اي “صنف” مجرب حتى في مفاوضات اعزاز الامر الذي يبدو واضحا ان الجهتين الحكومية والعسكرية تدركانه تمام الإدراك.
غير ان المسألة التي لا بد من إثارتها، بعيدا من المزايدات التقليدية التي تغرق المشهد الداخلي حيال اي شيء، تتصل بخلفية هذا المشهد عند مطالع معركة المفاوضات لاسترجاع الأسرى سالمين والحفاظ على مهابة الدولة في آن واحد. اذا كان هذا السقف يشكل، في ظننا، نقطة إجماع مبدئية منطقية لا جدل فيها، فإن مصارحة واجبة تغدو ضرورية في شأن معايير يفترض ان تتبع لا في عمل وسطاء مخولين او دول او جهات تتولى الوساطة بل اولا في أجندة موحدة للجهة اللبنانية لا نخالها غائبة عن المعنيين بها. نقول ذلك على وقع مناخ غير صحي لا يزال يجرجر ذيوله بوضوح في مسألة تداعيات مواجهة عرسال فيما التطور الأخطر الماثل في صعود قضية الأسرى يوجب شد أحزمة الى الحد الأقصى لمعركة تحريرهم، ولا نغالي ان تخوفنا من اي نقاط ضعف تظهر في الجبهة الخلفية الرسمية بشقيها الحكومي والعسكري مما يزود حكما الإرهابيين وغرف العتم التي تديرهم ذرائع للنفاذ منها واستغلالها.
لا يخفى على احد حجم التعاطف الهائل الطبيعي للبنانيين مع الجيش وبطولاته وبسالة اسراه الرهائن، كما لا يخفى ايضا حجم اي صدمة قد تنجم عن عدم اعداد متقن للمعركة التفاوضية ناهيك بالخشية من اجرام الخاطفين. هذه مسألة لا يجب ان تخضع اطلاقا للمألوف من “طبائع” اليوميات اللبنانية السائدة لان كلفتها قد لا تقل عن كارثة. وتبرز من هذا المنطلق الاهمية الحاسمة لتوحيد المعايير التفاوضية وسقوفها بين القيادتين الحكومية والعسكرية من جهة وسحب هذا الملف الخطر تماماً من اي تداول مزايد او موظف او مسيس.
ولعل بعض التذكير لا يضر هنا بالصفقات الضخمة لتبادل الاسرى والسجناء والموقوفين بين ألد الأعداء مثل اسرائيل و”حزب الله” والفلسطينيين وسواهم في تجارب الحروب والهدنات. وأقل الإيمان ان يمضي المفاوض اللبناني الى المعركة بجبهة صلبة داخلية لا تتعرض من الخلف لنيران “شقيقة” ولا تطلق لـ”داعش” و”النصرة” إشارات الوهن في الموقف التفاوضي فيما لا نملك اي ضمان بعد بما اذا كانت هذه التنظيمات الاجرامية لا تعد للبنان غزوات لاحقة.