المأساة التي أنتهت بها حياة الصحافي الاميركي جيمس فولي هزّت العالم لا سيما منه الغربي الذي وكأنه اكتشف أنه لا تزال على الكرة الأرضية منطقة تستمر فيها طقوس القتل التي عرفتها البشرية في أزمنة غابرة. وأفلحت الجريمة في جمع ثلاث دول كبرى في المصيبة هي الولايات المتحدة الاميركية التي ينتمي اليها فولي وفرنسا التي تعمل الضحية في أحدى مؤسساتها الاعلامية وبريطانيا التي بدا أن قاتل فولي يتقن لهجتها الانكليزية. وهكذا صارت هذه الدول وإحداها الاعظم في العالم ملزمة أمام الرأي العام عندها أن تفعل شيئاً وهذا ما يمثل أعظم تضحية قدمها فولي لمصلحة رؤوس سكان المنطقة لا سيما في العراق وسوريا والتي لا تزال تتدحرج منذ أعوام طويلة حتى قبل أن يظهر تنظيم “داعش” الى الوجود.
أهم ما يفعله المرء هو أن يصمّ أذنيه عندما تنطلق صيحات الاستنكار لجريمة قتل الصحافي الاميركي ومن نماذجها الكثير في لبنان والمنطقة. فالمشاريع الظلامية التي تسرح وتمرح في الشرق الاوسط حاليا تعاطت مع جماهير المنطقة على أساس أنها كائنات لديها رؤوس فاضية وفائضة عن الحاجة. فإذا ما جرى انتزاعها سواء بالسيف أو بالبراميل المتفجرة او بالعبوات المفخخة جرى التعامل معها كأنها زوائد لا تقدّم ولا تؤخر. من هنا كانت البرودة في تعامل العالم مع رؤوسنا المتساقطة حتى جاء اليوم الذي سقط فيه رأس الصحافي فولي فأدرك العالم أن الامر لا يتعلق بخدعة هوليودية بل إنها مشهد حقيقي بالكامل الذي لم يسمح للرئيس الاميركي بمواصلة سياسة دفن الرأس كالنعامة إزاء وحش “داعش” تكوّن في مزرعة وحوش الشرق التي يسرح فيها وبحرية مطلقة حتى اليوم أحد رموزها ألا وهو النظام السوري.
وعلى قدر ما هي مأساة فولي مهولة كذلك هي تفاهة بعض الرؤوس في لبنان التي تجسّد فعلا نظرية رؤوس لا قيمة لها. فمن العبث أن تقنع أصحابها أن الارض التي أنبتت “داعش” ستبقى تنبت سواها طالما أن الخطيئة الاصلية مستمرة. هل فكّر هؤلاء ان أبا بكر البغدادي لا يختلف بشيء عن بشار الاسد؟ فإذا كان هناك رعاة يشاركون الاول الفظائع، فللثاني رعاة يشاركونه المجازر. وفي أبسط بديهيات القوانين أن من يرعى قاتلا هو شريك له.
اللبنانيون الذين عانوا عذابات القتل على انواعها من رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم لا يملكون إلا أن يتأكدوا من أن رؤوسهم سليمة تمارس وظائفها الاصلية أي التفكير. فإذا ما فكّروا أدركوا أن أهم وسائل حماية بلدهم تبدأ بانسحاب “حزب الله” من الحرب السورية حيث يقوم الحزب الى جانب النظام هناك بارتكاب فظائع دموية لا تختلف عن فظائع “داعش”. كما تبدأ حماية بلدهم بانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد أن يتخلى العماد عون وفريقه عن داعشيتهم السياسية ولا يتصرف الوزير باسيل وكأنه أبو بكر البتروني. أما إذا بقي الحال على ما هو عليه فلن يكون لبنان في أحسن الاحوال سوى ملهاة داعشية على أن يأتي مخلص ليقول لكل من بقي على قيد العقل: احمل رأسك واتبعني.