إذا كان الحديث عن إجراء الانتخابات النيابية في الظروف الراهنة ضرباً من المكابرة، فإن الجزم بأن التمديد لمجلس النواب مرة ثانية بات حتمياً، أصبح أمراً واقعاً ولا يختلف عليه اثنان بين طرفي الإنقسام السياسي. وبمعزل عن الواقع السياسي والأمني الراهن، فإن الانتخابات النيابية غير ممكنة في ظل استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية، ولأسباب كثيرة وفي منتهى التعقيد نتيجة إشكالات قانونية ودستورية ستنجم عن خطوة في حجم إجراء الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية، وليس أقلها جملة تساؤلات بديهية يطرحها رجال القانون والدستور ومنها: من يصدر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ومن يوقعه؟ وإذا سلمنا جدلاً بأن الانتخابات النيابية حصلت بقدرة قادر فمن يتولّى إجراء الاستشارات النيابية اللازمة لتسمية رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة الجديدة، ومن يصدر مراسيم تشكيل هذه الحكومة؟ ومن يوقعها؟
كل تلك التساؤلات تدفع الى الاعتقاد مرة جديدة ان التمديد لمجلس النواب الحالي والذي تنتهي ولايته الممددة (سنة وخمسة أشهر) في تشرين الثاني المقبل، أصبح حتمياً ومحسوماً.
والسؤال البديهي: كيف السبيل إلى الخروج من هذا الواقع؟
يعزو الخبير الدستوري الدكتور خالد قباني كل هذا الواقع المأزوم إلى استمرار الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، ويرى أن الحل الوحيد لن يكون إلا بعملية إنقاذ حقيقية، خطوتها الأساسية والأولى انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، فتلك الخطوة تضع حداً للمشاكل التي يعاني منها لبنان في هذه المرحلة، سواء بالنسبة إلى عمل المؤسسات الدستورية ولاسيما مجلس الوزراء ومجلس النواب، أو بالنسبة إلى استعادة الثقة بالبلاد، أو بالنسبة إلى الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي.
ويبدو واضحاً انه مع حصول التمديد، لا تعود ثمة مشكلة في الإجابة عن التساؤلات الدستورية المشار اليها، وإن يكن “أحد الخيارات المرة التي تتناقض مع أبسط قواعد النظام الديموقراطي البرلماني وتداول السلطة ودورية الانتخابات والسيادة الشعبية”، على حد تعبير أكثر من مرجع دستوري وقانوني. والاعتراف بهذا الواقع يجب ألا يكون ترويجاً لمخرج التمديد لمجلس النواب كما يقول أحد هؤلاء، فانتخاب رئيس للجمهورية يفتح الطريق أمام الخطوة التالية وهي إجراء الانتخابات النيابية.
وفي هذا السياق يلفت قباني إلى أن “إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية يدخل البلاد في تعقيدات جديدة وفي مشاكل قانونية ودستورية، ناهيك بأن تلك الخطوة من شأنها تعطيل انتخابات الرئاسة أكثر فأكثر، في حين أن مجرد انتخاب رئيس للجمهورية، من شأنه الدفع في اتجاه إعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية ولا سيما بعد الارباكات التي شهدناها ونشهدها في عملها، سواء في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب”.
ويرى انه “لا يجوز دستورياً ولا وطنياً بقاء منصب رئيس الجمهورية شاغراً، وبقاء الواقع على حاله في موازاة التمديد لمجلس النواب، إذا حصل، سيكون له تأثير سلبي مباشر على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وسيعطي رسالة للعالم مضمونها ان الازمة في لبنان مستمرة ودون أفق زمني واضح وتنعكس على كل تلك الاوضاع وعلى الواقع اللبناني عموماً. ويلفت الى انه “مع عدم حصول انتخابات رئاسية لن يكون سهلاً إجراء انتخابات نيابية حتى لو أريد ذلك، والسبب أنه ليس هناك حتى الآن قانون جديد للانتخابات ولا توافق على إجرائها على أساس القانون القديم (قانون الستين)، والسبب الثاني انه لم تعد هناك مهلة كافية أمام مجلس الوزراء لوضع هذا القانون، والسبب الثالث ان مجلس النواب لا يجتمع، والسبب الرابع ان ليس هناك اتفاق سياسي حول مضمون هذا القانون، ولكل فريق سياسي قانونه الذي يتلاءم مع مصالحه وحساباته الانتخابية”. كل ذلك يؤدي إلى أمر واقع هو عدم إجراء انتخابات نيابية ووضع البلاد أمام خيار واحد هو التمديد مرة ثانية لمجلس النواب!
بعد انتهاء زمن الوصاية السورية، نظرياً، بالانسحاب العسكري السوري من لبنان، قال مسؤول سابق: “من الآن فصاعداً، على اللبنانيين أن يتعلّموا إدارة شؤون بلدهم بأنفسهم، وعلى السوريين أن يتعوّدوا على ان لبنان دولة مستقلة ذات سيادة”.
في ظل الواقع الراهن، يبدو السؤال عن النتيجة مشروعاً: هل مَنْ تعلّم أو تعوّد؟!