IMLebanon

استقرار حكومة سلام على حبل جدول الأعمال والإصدار

ما لم يقع ما ليس في الحسبان، قد تعطي حكومة الرئيس تمام سلام أنموذجاً غير مسبوق حتى الآن على الأقل: أسوأ ائتلاف بين متنافرين يدير أفضل استقرار وتماسك حكومي. لكن أنموذجاً كهذا يصبح اكثر اثارة للعجب عندما توضع بين يديه صلاحيات رئيس الجمهورية من دون أن ينفجر

جلسة تلو اخرى لا يكتمل نصابها القانوني، تجعل انتخاب الرئيس الجديد تدريجاً شأناً ثانوياً مؤجلاً. على هامش الجلسة السادسة أمس، تقدّم الاهتمام بالتئام البرلمان اليوم لاقرار سلسلة الرتب والرواتب ما عداه، وبدا محور احاديث النواب المدعوين الى استحقاق آخر، وأولى، هو انتخاب الرئيس. يصحّ أيضاً أن الشغور يتحوّل على مهل الى حال عادية وطبيعية ما دام عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا يلقي بثقله على الاستقرار، ولا يتهدده. كانت بضع اشارات ارسلها فريقا الائتلاف الحكومي، قوى 8 و14 آذار، بإزاء المحافظة على تماسك السلطة الاجرائية منذ انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية اليها لاسبوعين خليا، أفضل معبّر عن أنهما يتهيّبان انفجار الحكومة من الداخل، ويأخذان في الحسبان أخطار الاخلال بالاستقرار. للمرة الأولى تساق حجة غير مألوفة، وقد تكون غير منطقية: استمرار حكومة الشغور ـ لا انتخاب الرئيس ـ هو الضامن الفعلي للاستقرار.

بذلك ينحو فريقا 8 و14 آذار بحكومة الرئيس تمام سلام، يوما بعد آخر، كي تمسي سلطة دائمة وثابتة، وهدفاً في ذاته للسهر على الاستقرار. وقد تكون الطريقة التي يقاربان بها ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية ذريعة إضافية للايحاء بأن مهمة طويلة المدى تنتظر حكومة سلام.

تعكس هذه الوجهة بضع ملاحظات:

أولاها، أن أحداً في مجلس الوزراء، لدى فريقي 8 و14 آذار، ليس في وارد كسر الجرّة مع الطرف الآخر، أو افتعال أزمة متهوّرة تؤدي إلى شلّ عمل الحكومة وإعطابها. لم يتردّد الطرفان في تأكيد التزامهما سقف المحافظة على الحكومة، من غير تخلي أي منهما عن تمسكه بمواقفه وخياراته وشروطه. ما داما داخل مجلس الوزراء، فإن التوصّل إلى اتفاق الحدّ الأدنى على أي خلاف ينشأ بينهما سهل المنال. أما خيارات كل منهما خارج مجلس الوزراء، فشأن آخر.

تحت هذا السقف، بات يختصر صلاحيات رئيس الجمهورية ــــ بعد انتقالها إلى مجلس الوزراء ــــ بندان فقط تقريباً يكفل التفاهم عليهما ثبات السلطة الاجرائية ووحدتها وتماسكها، في الظاهر في أحسن الأحوال: جدول الأعمال في طريق الذهاب إلى مجلس الوزراء، وإصدار المراسيم في طريق الإياب منه. كلتا الصلاحيتين متشابهتان إلى حدّ في الممارسة من جراء اشتراك رئيسي الجمهورية والحكومة فيهما. الأولى منوطة برئيس مجلس الوزراء ينضم إليها رئيس الجمهورية، والثانية منوطة برئيس الجمهورية ينضم إليها رئيس مجلس الوزراء. في الصلاحيتين الدستوريتين، يتكامل دورا الرئيسين عندما يضطلعان بهما مباشرة وجهاً لوجه.

ثانيها، طابع «التحكيم» الذي يرافق التعاطي مع جدول الأعمال الذي يعدّه رئيس الحكومة ويُطلع عليه مسبقاً الوزراء قبل 72 ساعة من موعد انعقاد الجلسة، وقد باتوا يتقاسمون صلاحية رئيس الجمهورية في حق الاطلاع المسبق على جدول الأعمال. أضحى الإتفاق على إدارة هذه الصلاحية شبه منجز. لا انتقاص من الصلاحية الدستورية لرئيس الحكومة في وضع جدول الأعمال، ولا رغبة لسلام في تجاهل رأي الوزراء جميعاً بعد التسليم بأنهم أصبحوا يقاسمون رئيس مجلس الوزراء إياها. وذلك على نحو مماثل للطريقة التي اتبعها رؤساء الجمهورية والحكومات المتعاقبة، منذ إقرار اتفاق الطائف، عندما يختليان قبل تحديد موعد التئام مجلس الوزراء ويقرّان جدول الأعمال، أو من خلال الأمين العام لمجلس الوزراء والمدير العام لرئاسة الجمهورية اللذين يتوليان تأمين توافق الرئيسين على جدول الأعمال: الموافقة على بنوده، أو تعديلها.

يضمن التوافق على هذه الصلاحية التئام مجلس الوزراء وعقد جلساته، تبعاً لما تنص عليه المادة 65، من خلال حضور ثلثي الوزراء. بعد انتقال الصلاحيات، صار إجماع الوزراء الـ24 على جدول الأعمال شرط انعقاد مجلس الوزراء، لا نصاب الثلثين فحسب.

أما مغزى التحكيم في جدول الأعمال، فيفضي إلى ضرورة الإتفاق على كل بند على حدة على نحو يصحّ وصفه بالبازار الإجرائي: تجميد رئيس الحكومة أو وزراء 14 آذار مرسوماً يعتقد الفريق الآخر بأنه في حاجة إلى إدراجه في جدول الأعمال، يقود إلى خطوة مماثلة في اتجاه معاكس هو تجميد مرسوم آخر. بند في مقابل بند.

ثالثها، خلافاً لوجهة نظر ساقها في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، عندما انتقلت إليها صلاحيات الرئيس عام 2007، يتحدّث الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي عن رأي مغاير. حينذاك أفتى بتوقيع الوزراء الـ24 في حكومة السنيورة ــــ وكان عددهم أضحى 17 وزيراً ــــ القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء في مراسيم تمهيداً لإصدارها. بذلك لم يصدر في ذلك الحين مرسوم خلا من التواقيع الـ17.

مع حكومة سلام تحدّث بوجي أخيراً عن وجهة نظر مختلفة، مفادها أن انتقال الصلاحيات إلى هيئة يقتضي ممارستها وفق النظام المعتمد لديها. بدا المقصود بذلك اعتماد نظام التصويت في مجلس الوزراء الوارد في المادة 65 على القرارات التي يكون قد أقرّها المجلس، بهدف تعميم نظام التصويت هذا على صلاحية الإصدار: في القرارات التي تتطلب تصويت الأكثرية المطلقة (النصف +1) لإقرارها، تصدر المراسيم بتواقيع النصف +1 من وزراء الحكومة، وفي القرارات التي يتطلب إقرارها ثلثي مجلس الوزراء يوقع الثلثان مراسيم الإصدار.

بالتأكيد لم يقل وزراء 8 آذار إنهم يدعمون هذا الرأي، بل يتمسكون بتوقيع الوزراء الـ24 على كل مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، أياً تكن آلية التصويت المتبعة في إقراره. يرون نظام التصويت للإقرار مختلفاً عن نظام الإصدار. تلك صلاحية مجلس الوزراء تلزم الوزراء جميعاً التسليم بها وفق قاعدة التضامن الحكومي واحترام إرادة الغالبية، وهذه صلاحية رئيس الجمهورية تحتمل الموافقة وطلب إعادة النظر ورفض التوقيع.