عندما صاغ المشترعون دستور الطائف لم يلحظوا فيه نصاً يلزم النواب حضور جلسات انتخاب رئيس للجمهورية لأنه لم يخطر في بالهم احتمال تغيّبهم عن هذه الجلسات بقصد تعطيل النصاب، ولا توقّع ذلك مجلس النواب لدى مصادقته عليه، خصوصا أن الانتخابات الرئاسية كانت تجرى دائما بنصاب مكتمل ولم يلجأ لا نواب المعارضة ولا نواب الموالاة الى تعطيله احتراما للدستور وللواجب الوطني، ولا باشتراط التصويت لهذا المرشح او ذاك كي يكتمل النصاب، إلا بعد انتهاء الوصاية السورية وقيام تكتل 8 آذار حليف سوريا الذي مسخ الديموقراطية ورفض الاحتكام الى صندوق الاقتراع واشترط لتأمين النصاب انتخاب مرشحه…
لذلك بات ضروريا منع تكرار شغور منصب الرئاسة الاولى وذلك بأن يقرر المجلس إلزامية حضور النواب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية وعدم التغيب عنها إلا بعذر شرعي وذلك تفسيرا او توضيحا للمواد 73 و74 و75 وما المقصود من عبارة: “يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، واذا لم يدعَ لهذا الغرض فانه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء الولاية”، وعبارة: “إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية عليه الشروع حالا في الانتخاب من دون مناقشة أو أي عمل آخر”.
هذه النصوص لم تأت على ذكر عقوبات تنزل بالنواب اذا تغيبوا عن الجلسات بدون عذر شرعي بقصد تعطيل النصاب او تعطيل الانتخاب، وهو ما اعتبره البعض حقا للنواب بأن يحضروا أو يغيبوا من ضمن الممارسة الديموقراطية، وهو ما يجب تفسيره بنص يحول دون تعريض الانتخابات الرئاسية كل مرة للشغور بحيث يفسح في المجال للخارج النافذ في لبنان تسمية المرشح الذي يريد للرئاسة الاولى وأن يتدخل لدى من يمون عليهم من النواب لتعطيل جلسات الانتخاب كي يحتفظ لنفسه بحق تسمية من يريد رئيسا للجمهورية حتى وإن كان مرفوضا من أحزاب وكتل.
واذا كان للخارج، كما هو معلوم، تأثير في الانتخابات الرئاسية، فان تأثيره كان يظهر قبل جلسة الانتخاب او خلالها، لمصلحة هذا المرشح او ذاك ولم يكن تأثيره يبلغ حد تعطيل الجلسات كما هو حاصل اليوم ليصبح رئيس لبنان مصنوعا في الخارج.
لقد نص النظام الداخلي لمجلس النواب في المواد 69 و70 و71 على الآتي: “لا يجوز للنائب التغيب عن أكثر من جلستين في أية دورة من دورات المجلس العادية والاستثنائية إلا بعذر مشروع مسبق يسجل في قلم المجلس، وفي حال اضطرار النائب الى التغيب بغير مهمة رسمية وبصورة مستمرة عن أكثر من جلسة واحدة، عليه أن يقدم طلبا الى قلم المجلس يبين فيه أسباب التغيب ويعرض هذا الطلب على المجلس لأخذ العلم في أول جلسة يعقدها. وعندما لا يتم عقد جلسة بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني يضع مدير شؤون الجلسات جدولا بأسماء النواب المتغيبين من دون إذن أو عذر ويدرج اسماء المتغيبين في محضر الجلسة التالية”. ونص ايضا في مادته الـ52: “إن حضور جلسات اللجان إلزامي، ويعتبر مستقيلا حكما عضو اللجنة النيابية الذي يتغيب عن حضور ثلاث جلسات متوالية بدون عذر مشروع، وعلى رئيس اللجنة ان يبلغ رئيس المجلس الامر لانتخاب خلف له”.
فاذا كان النظام الداخلي لحظ عقوبات على من يتغيب ويعطل النصاب من أجل حسن سير عمل اللجان واقرار المشاريع، فهل يعقل ألا تلحظ عقوبات على من يتغيب عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية لأن المشترع لم يفكر في أن أحدا يفعل ذلك خصوصا في جلسات الانتخاب، أما وقد حصل ذلك خلافا لكل تصور فقد بات مطلوبا من مجلس النواب لمنع حصول شغور في منصب الرئاسة الاولى اعتماد أحد الاقتراحات الآتية او غيرها:
أولا: حضور النواب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية إلزامي، ومن يتغيب مرتين بدون عذر شرعي يعتبر مستقيلا او لا يحسب في عداد النواب الذين يتألف منهم المجلس ولا في عدد الثلثين أو الاكثرية المطلقة والعادية.
ثانيا: اذا كان من حق النواب التغيب وظل تأمين النصاب هو الثلثين لانتخاب رئيس للجمهورية، فان نصاب النصف زائد واحد يصبح مقبولا اذا تعذر تأمين نصاب الثلثين بعد عقد جلستين للانتخاب، اذ ان ذلك قد يحض النواب المتغيبين على الحضور للمشاركة في الانتخاب.
ثالثا: اعتبار نصاب الثلثين مكتملا بمجرد وجود النواب داخل قاعة المجلس، ولا يعتبر انه تعطل بمجرد خروج عدد منهم من القاعة.
رابعا: على من يرغب في الترشح للرئاسة الاولى أن يقدم طلبا بذلك الى أمانة سر مجلس النواب كي يعرف النواب من هم المرشحون ليتواصلوا معهم وليقطعوا الطريق على مرشح يهبط عليهم فجأة بالمظلة.
خامسا: عند تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية يستمر الرئيس المنتهية ولايته في تصريف الاعمال علَّ ذلك يحض النواب على انتخاب خلف له للتخلص من استمرار المرحلة الموقتة.
لقد بات اتخاذ كل الاجراءات لمنع حصول شغور في منصب الرئاسة الاولى أمرا ضروريا كي يصنع الرئيس في لبنان.