IMLebanon

الأحلاف تضع مصير المؤسسات الأُمميّة على المحك

يُظهر إعلان «اليونيسيف» قتل 469 طفلاً وجرح أكثر من 3000 آلاف آخرين في الحرب الإسرائيلية على غزة، ونحو 400 الف طفل باتوا يحتاجون الى علاج نفسي عاجل، حجمَ الكارثة الإنسانية في القطاع.

إذا كان الحديث يشمل نحو 500 طفل في غزة، فإنّ عشرات آلاف الأطفال، والأصح مئات الآلاف، يلقون المصير نفسه في سوريا والعراق وليبيا واليمن وأوكرانيا وغيرها من الدول المشتعلة. وعلى رغم حجم الكارثة التي تتعرَّض لها الطفولة، إلّا أنها لم تلقَ حتّى الآن اهتماماً فعلياً في دوائر الأمم المتحّدة على اعتبار أنها المنظّمة الأكبر والأشمل على وجه المعمورة.

ويبدو أنّ دَور هذه المنظّمة الأُممية بات محصوراً في بيانات التعبير عن القلق العميق، ودعوات ضبط النفس، وما شابه من عبارات لا قيمة لها ولا طعم، سوى الاستهلاك في وسائل الاعلام المختلفة التي تحوّلت بدورها عداداتٍ لإحصاء الضحايا الذين يسقطون كلّ لحظة، فيما يقف العالم كله بمؤسّساته الانسانية والحقوقية متفرّجاً على مشاهد القتل والدمار من دون أن يُحرّك ساكناً.

يسيل دم الأطفال والنساء والشيوخ في مناطق عدة من عالمنا بلا حسيب أو رقيب، وعواصم القرار في الشرق والغرب خصوصاً تلك التي تدَّعي الحرص على حقوق الانسان تبدو غائبة عن الوعي، أو أنّ قادتها لا يتابعون مشاهد العنف عبر شاشات التلفزة، أو أنّ أجهزة استخباراتها باتت تعمل خارج نطاق كوكب الأرض.

آخر التصريحات الآتية من واشنطن وموسكو وباريس ولندن وجنيف وبرلين وغيرها من عواصم ما يسمّى «العالم الأول»، تؤكد ضرورة وقف العنف في غزة ومواصلة التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكنّ تلك البيانات لم تُشر لا مِن قريب ولا مِن بعيد الى الوسائل التي يمكن استخدامها لوقف العنف والعودة الى المفاوضات، علماً أنّ عواصم كثيرة تملك رصيداً هائلاً لا يمكّنها من الضغط على طرفَي النزاع فحسب بل يخوّلها اتخاذ قرارات تلزمهما وقف المواجهات العسكرية. لكن على ما يبدو أنّ هناك قطبة مخفية على مسرح السياسة الدولية، تحول دون أن تلعب دوراً فاعلاً في هذه الأزمة.

مصادر أُممية عاملة على خط موسكو – واشنطن ترى أنّ المواجهة السياسية الحاصلة بين روسيا والولايات المتحدة في المحافل الدولية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، قد عرقلت دور ومهمّات الأمم المتحدة بمؤسساتها كافة، فتراجع حضور هذه المنظمة في ملفات دولية كثيرة، خصوصاً أنّ الطرفين الأميركي والروسي يسعيان في هذه المواجهة الى تثبيت نفوذهما في مناطق مختلفة من العالم، تمهيداً لخلق أحلاف دولية جديدة، الأمر الذي سيشكّل لاحقاً عقبة أساسية أمام المؤسسات الأممية في سعيها الى وقف العنف، وتقديم الخدمات الإنسانية، واعتماد التفاوض المباشر بين أطراف النزاعات لإيجاد حلول سياسية، في اعتبار أنّ الأطراف الداخلية المتنازعة في المناطق الساخنة باتت تلتزم سياسة الأحلاف اكثر من التزامها قضاياها الداخلية.

وتعتبر المصادر أنّ النقاشات التي تشهدها أروقة الأمم المتحدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية أصبحت أشبه بحوار الطرشان، إذ إنّ كلّ طرف لا يرى سوى مصالحه في هذا الملف او ذاك، بحيث اصبحت أكبر مؤسسة أُمميّة مجرّد مريض لا حول له ولا قوّة في غرفة العناية الفائقة ينتظر جرعات الأوكسيجين تارة من الشرق وطوراً من الغرب قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.

ولا تستبعد المصادر أن تتعرّض مؤسسات الامم المتحدة الى اهتزازات كبرى اذا استمرّت سياسة تكوين الأحلاف في العالم، الأمر الذي سيؤدّي في المحصّلة الى مصادرة دورها لصالح منظومات أُخرى كتلك التي كانت سائدة خلال الحرب الباردة.