IMLebanon

الأسد وحده من طلب جدياً حمايته من «داعش»

منذ قررت واشنطن توجيه ضربات عسكرية إلى معاقل «داعش» في العراق، ولسان حال السوريين يقول «لماذا العراق وليس سورية؟» و«هل داعش هناك غيره هنا؟». وفي سياق البحث عن إجابات طغت على غالبية المقالات والكتابات التعبيرية على مواقع التواصل الاجتماعي، نبرة تعلي صوت الضحية المطلقة، على صوت العقل وتقويم الأداء السياسي. فما يبقى من ذلك كله، هو أن العالم قرر الدفاع عن ضحية دون الأخرى في مواجهة جلاد واحد.

واللافت في تلك التساؤلات أنها قدمت لحظة التقاء نادرة بين موالين للأسد ومعارضين له، لا سيما من بقي من معارضين سياسيين ومدنيين، وإن من مواقع مختلفة ولأهداف متباينة.

وكما هي حال الثورات التي تنقلب حروباً أهلية، ولا تمكث مكوناتها الأولى في حيز الأبيض والأسود، فإن الفارق كله يكمن في ذلك الهامش الرمادي من الأداء السياسي حيث اللعب لقلب المعادلة لمصلحة الأقوى والأدهى والأكثر قدرة على التفاوض والمواربة، لا لمصلحة صاحب الحق أو الضحية.

لذا، عند الحديث عن تخلي العالم عن الثورة السورية، ووصفها باليتم، ثم توكيد ذلك بالتدخل في العراق وليس في سورية قد يفيد التوقف عند المعطيات التالية:

بداية تختلف التجربة العراقية في طلب المساعدة الأميركية عن التجربة السورية، فهي لا ترجع إلى الأمس القريب الذي ظهرت فيه «داعش». ذلك أن إطاحة صدام حسين، بدأت بتوافق عراقي (شيعي)- أميركي وطلب صريح بالتخلص منه، مع ضمان حليف مطلق هو اللاعب الكردي. وبمعنى ما خرج الجميع رابحاً. فحتى العشائر السنية انخرطت في «الحرب على الارهاب» وأنشأت «صحوات» لمواجهة خطر تنظيم «القاعدة». وإذا أخفق العراقيون لاحقاً في إدارة شؤونهم، واستشرى الفساد وطبق نوري المالكي سياسات إقصائية ضد السنة، فذلك ذنـبـهم. لكن العراقيين أنفسهم عادوا واستعانوا بالأميركيين، بلا مواربة أو خجل لإبعاد المالكي ومحاربة «داعش»، فيما لم يحد الجانب الكردي خطوة عن تحالفه.

أما على الجانب السوري، فمن المفارقات المذهلة أن يكون الطرف الوحيد الذي استدعى رسمياً التدخل الأميركي وعرض التحالف المباشر معه هو النظام وليس المعارضة.

فحتى الساعة، لم تخرج المعارضة بمطلب متماسك أو رغبة جامعة يمكن للمجتمع الدولي تلبيتها ولم تقدم طرفاً يمكن التحالف معه. فلا يزال إدراج «جبهة النصرة» على لوائح الإرهاب بعد كل ما اقترفه قادتها بحق الثوار قبل غيرهم، مطلباً مستحيلاً. بل لا يزال هناك من يدافع عن «النصرة» بصفتها مكوناً أساسياً من مكونات الثورة. وعندما كاد يعلو صوت منذ سنة أو أكثر بضرورة توجيه ضربات مركزة لمعاقل النظام، وكان أصبح محسوماً عدم التكافؤ العسكري، ترك النظام للمعارضين أنفسهم التكفل بإطلاق زجليات التخوين. ومن حجج هؤلاء إن الأمور في ليبيا بعد القذافي ليست أفضل، وأن السوريين «بعكس العراقيين»، يمقتون نظامهم، لكنهم لا يرغبون بـ «غزو خارجي»… أما اليوم، وبعدما ساءت الأمور أضعاف ما كانت عليه، بدا أن هؤلاء أنفسهم لا يمانعون الغزو الأميركي إذا كان موجهاً ضد «داعش».

وقد تفيد الإشارة هنا، إلى أن ثورة من ثورات «الربيع العربي» لم تحظ بالدعم السياسي والمالي والعسكري الذي حظيت به الثورة السورية. فالمال تدفق منذ اليوم الأول، سواء لبناء قدرات «المجتمع المدني» و»المواطنين الإعلاميين» أم لدعم هيئات سياسية من مجلس وطني وائتلاف إلى جمعيات ومنظمات تم دعم أفرادها بالتدريب والتمكين ومعدات التكنولوجيا الحديثة. كذلك تمت حماية ضباط منشقين وإعدادهم لتسلم مهمات ميدانية، مع تسريب سلاح للجيش الحر عبر وسطاء محليين واقليميين. وترافق ذلك مع جهود ديبلوماسية من عقد مؤتمرات في إسطنبول وجنيف ورحلات مكوكية لمبعوثين دوليين.

لكن الفساد وطيب الإقامة في إسطنبول وبيروت وباريس عوضاً عن المناطق المحررة في ريفي حلب وأدلب شتتا الجهود. وليس المقصود هنا اللاجئون الذين لا حول لهم ولا قوة أو من لا يملك خياراً إلا الفرار، وإنما مجتمع المعارضين السياسيين والناشطين الذين يطالبون أميركا اليوم بالتدخل ضد «داعـش»، لكنهم رفـضوا أي تـدخل ضـد النـظام، علماً أنهم لا يكلون ولا يملون من تذكيرنا بأن النظام والمعتقلات الأسدية لا تقل وحشية عن «داعش» إلا باستعراض قطع الرؤوس.

لا يراد طبعاً من الأسطر أعلاه إدانة الثورة أو تحميلها وحدها مسؤولية ما آلت إليه الأمور. فلا شك في أن هناك «غياب استراتيجية» واضحاً لدى الإدارة الأميركية، وتخبطاً أوروبياً ودولياً، ونظاماً عتيقاً يعرف جيداً كيف تقتنص الفرص.

لكن الانتقائية في محاكمة الجلادين، لن تنتج إلا مزيد من الانتقائية في الدفاع عن الضحية، ولا بد اليوم من مراجعة سياسية مهما كانت قاسية تحاول مطابقة حسابات الحقل على حسابات البيدر.