ينقل زوّار دمشق هذه الأيّام عن مسؤولين سوريّين ارتياحهم إلى مُستقبل الأوضاع في بلادهم، مؤكّدين أنّ خطاب القَسَم الذي سيُلقيه الرئيس بشّار الأسد مع بدء ولايته الجديدة قبلَ 20 تموز الجاري سيكون مفصليّاً بكلّ المقاييس، وسيكشف وقائع وملابسات مُتّصلة بالأزمة السوريّة.
ويؤكّد هؤلاء المسؤولون أنّ النظام يتّجه عسكريّاً لإحكام السيطرة على كُلّ المدن الكبرى والموانئ والمطارات والطُرق الرئيسة، من دون أن يعني ذلك «جَزأرَة» الوضع السوري (نسبة إلى الجزائر)، لأنّ الزحف الميداني لاستعادة بقيّة المُدن وإحكام السيطرة على أخرى كدرعا والرقة ودير الزور وغيرها، سيستمرّ على وَقع البحث الجاري عن تسويات إقليميّة ودوليّة كبرى.
وفي هذه الأثناء، تنظر دمشق بقلق إلى أحداث العراق، وتُحمِّل رئيس الوزراء نوري المالكي مُداورة جزءاً من المسؤوليّة عن هذه الأحداث، لأنّ أداءه تسبّب في بناء الدولة العراقيّة على أسس طائفيّة ومذهبيّة، ما جعل المناطق السنية وغيرها بيئة حاضنة لتنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) وأخواته.
ويستبعد المسؤولون السوريّون حصول تسوية قريبة للأزمة العراقيّة، ويعتبرون أنّ إلقاء اللوم في ما يحصل في بلاد الرافدين على البعثيّين القُدامى هو في غير محلّه، والهدف منه التغطية على فشل أو سوء أداء، فيما على المسؤولين العراقيّين ان يدركوا انهم ما زالوا ينفذون القانون الذي وضعه الحاكم الاميركي بول بريمر لبناء الدولة العراقية، الذي جعل العراق في هذه الوضعية السياسية والطائفية والمذهبية المعقدة.
والى ذلك يكشف زوّار دمشق، نقلاً عن المسؤولين السوريين إيّاهم، انّ مسوؤلاً في مكتب الامن القومي الاميركي زار العاصمة السورية في الآونة الاخيرة باحثاً مع المسؤولين السوريين في موضوع التعاون في مجال مكافحة الارهاب، وانّ المستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان التقت في اوسلو مساعد الامين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان، وتناول البحث في هذا اللقاء الموضوع نفسه، وقد كان الردّ السوري على المسؤول الاميركي انّ أيّ تعاون أمني سوري مع الولايات المتحدة الاميركية لن يكون مجانياً. حتى انّ شعبان قالت لفيلتمان إنّ دمشق لن تقدّم أيّ معلومة أمنية عن المجموعات والمنظمات الارهابية مجاناً.
وذكر المسؤولون السوريون لزوّارهم «انّ المسؤول الامني الاميركي اعترف امامهم بأنّ سوريا تملك سجلاً كبيراً من المعلومات بالأسماء والأرقام عن الحركات المتطرفة والارهابية ومراكز تجمّعها ومصادر تمويلها، وانّ مثل هذا السجلّ ليس موجوداً لدى واشنطن. واعترف بأنّ الجيش السوري تعامل بحنكة كبيرة واحتراف في مجال مكافحة الارهاب. وقال انّ واشنطن تريد التعاون مع دمشق في مكافحة الارهاب لأنّ لدى الأجهزة الأمنيّة السورية عيوناً داخل «داعش» ومنظمات متطرفة أخرى. وردّ الجانب السوري عليه قائلاً: «لن نُقدّم ايّ معلومة مجاناً، ولن نتعاون مع واشنطن في ملف مكافحة الارهاب الّا في ما يخدم المصلحة السورية أولاً».
ويكشف المسؤولون السوريّون لزوّارهم أيضاً أنّ مجموعة من الدول الأوروبّية أرسلت موفدين إلى دمشق نقلوا إليها مواقف مَرنة واستعداداً لإعادة فتح سفاراتها في العاصمة السوريّة، ومن هذه الدول: فرنسا، إيطاليا، المانيا، اسبانيا، ورومانيا. ويتوقّع ان تعاود هذه الدول فتح سفاراتها في دمشق، وهي تتحيّن الفرصة المناسبة منعاً لحصول أيّ «خضة» سياسية داخل الاتّحاد الأوروبّي.
ويشير المسؤولون السوريّون، وفقَ زوّارهم، إلى أنّ بعض دول مجلس التعاون الخليجي تتواصل مع القيادة السورية بعيداً من الاضواء وتُبدي الاستعداد لإعادة فتح سفاراتها، لكنّها هي الأخرى تنتظر تبلوُر الظروف المُناسبة للإقدام على هذه الخطوة من دون أن يكون لها أيّ تأثير في بُنية مجلس التعاون الخليجي، فيما الجميع يتوقّع تأدية مصر دوراً محوريّاً في اتّجاه إعادة تطبيع العلاقات العربيّة – العربيّة عُموماً، وبين المملكة العربيّة السعوديّة وسوريا خصوصاً، وقيل إنَّ هذا الموضوع أُثيرَ في اللقاء الأخير في مطار القاهرة بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. فإذا نجحت القاهرة في هذا الأمر، فإنّ ذلك يكون ذلكَ فاتحة لعهد عودة مصر إلى دورها العربي والإقليمي المعهود.