كان من المفترض والواجب أن يُطلّ الرئيس «المنتخب» بشّار الأسد من مجلس الشعب ليلقي خطابه في يوم تنصيبه، إلا انه فضّل البقاء في قصر الرئاسة، واستدعاء النواب والحاشية الى غير مكانهم.
الصورة كانت مُذلّة برغم التصفيق الحارّ المبرمج والأفواه الفارغة والوجوه الخالية من التعبير والأجساد الحاضرة كأنها في مأتم رغم الابتسامات المصطنعة أمام الكاميرا، وجوه كئيبة الى حد تبحث فيه عن روح فلا تجد إلا تماثيل بشعة، المشهد لا يكتمل فهناك كانت تحلّق أرواح أكثر من 300 ألف شهيد يلتفّون حول عُنق الرئيس القاتل الذي تلقى عناقاً من السيدة الأولى مع بسمة باردة لا تدخل الدفء والاطمئنان الى انسان ليس فيه شيء من الانسانية، ورئيس ليس فيه شيء من الرئاسة. أقسم اليمين وألقى خطاباً في مراسم احتفالية واعداً بالتخلص من إرهاب في سوريا وتخليص الشعوب العربية منه وهاجم الثورات و«الربيع المزيّف» وحضر لبنان في كل خطابه مع انه لم يسمّه بين السطور في كل جملة وعبارة. فلبنان الذي أخرج جيشه مذلولاً بعد ثورة الأرز، لا يزال في عين الأسد، لكنه لن يستطيع القبض عليه مجدداً مهما حاول هو وأدواته من «حزب الله» الى تنظيماته المخابراتية، فقد صار عصيًّا على «البعثية» و«الممانعة» و«الديكتاتورية».
وجّه الأسد الى «المقاومة» الشكر لوقوفها الى جانب جيشه و«خوض المعارك المشرّفة معاً على طرَفي الحدود» وخاطبهم معتبراً ان «واجب دفاعهم عن سوريا كواجب الدفاع عن جنوب لبنان».
لقد كانت إطلالة لا تعبّر عن مصدر قوة وهي مؤشر لضعف وتعبير عن انفصام ظاهر، شخص يدعي الرئاسة، محبط، كلام عن الديموقراطية مضحك وهجوم على الدول العربية، مشهدية تعرّي الممانع وتفضح المقترعين، تبتز الآخرين وتدّعي العفة وهي تمارس طقوس الشياطين، وتتوعد الجميع بالدمار والقتل ودفع الثمن.
يقول عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب انطوان سعد ان «ذكر المقاومة في خطاب الأسد وحزب الله بصورة خاصة، هو شكر للمساعدة التي يتلقاها من إيران لأن هذا الحزب يأتمر بإمرة الولي الفقيه، وإيران وروسيا هما الدولتان اللتان تؤمنان استمرارية نظام بشار الأسد وأعتقد ان تورط حزب الله مع النظام السوري لإنهاء الثورة، والواضح ان الثمن الذي يدفعه حزب الله كبير وخساراته البشرية تدل على ذلك رغم محاولات الانكار وعدم قول الحقائق أمام اللبنانيين، هذا التورط تسبب بضرر كبير للبنان وهو استقدم التفجيرات والأعمال الارهابية الى عقر الدار، فقبل تورط الحزب في سوريا لم تكن هناك أي حوادث أمنية أو تفجيرات أو أعمال ارهابية وما حصل جاء بعد ذهاب حزب الله الى سوريا واستجلب الانتحاريين».
وأعرب عن اعتقاده بأن «حزب الله لن يتراجع، وكلام الأسد دليل وتشجيع على مزيد من التورط ومساعدة النظام السوري وقرار الخروج من سوريا يعود الى الايرانيين فقط».
وسخر سعد من مقولة الأسد وانتقاده «النأي بالنفس» متسائلاً «هل يجب أن نساعده على قتل شعبه وتدمير سوريا وقد خبرنا ما فعله أيام احتلاله لبنان؟ وأنا لا أقول بحكم الوصاية هنا بل بالاحتلال، أتذكر ما قام به جيشه في بلادنا، فهل علينا أن نساعده كما يقوم حزب الله؟، فليحترق وحده في جهنم وليس منزله فقط، فهو مجرم، فلا تيمورلنك ولا هولاكو ولا أكبر ديكتاتور معروف في التاريخ قام بما قام به بشار الأسد في بلده، شرّد شعبه وقتلَ الأطفال ويريد أن يحكم ويدعو مَن يسمّيهم الشرفاء بالعودة الى سوريا، انه شخص مجنون لا يعرف ماذا يحدث خارج الأسوار التي يختبئ وراءها. نحن لن نتورط أبداً في الدفاع عن مجرم أو الاعتراف بنظامه الساقط، مشكلتنا ان حزب الله تدخّل بقرار غير لبناني».
ويؤكد ان «مشروع الهلال الشيعي ومحاولة اعادة احياء الامبراطورية الفارسية وغزوها الدول العربية والتي كان شاه ايران يريد ان يقوم بها، يقوم بها اليوم نظام الولي الفقيه وما يحصل في العراق وفي سوريا وتوريط لبنان دليل على ذلك وكل حديث عن داعش هو تخويف».
ويسأل «ما الفرق بين نظام صدام حسين ونظام نوري المالكي؟ كلاهما نظامان ديكتاتوريان، رغم ان صدام حسين لم يكن مذهبياً ولكن المالكي نظام مذهبي ويدل على ذلك ما يفعله في المناطق السنّية، داعش هو اسم لحالة، وبشّار امتداد وأداة لإيران ومشروعها».
ويرى عضو كتلة «حزب الكتائب» النائب فادي الهبر ان «الاسد اكد من جديد انه ما زال متمسكا بالحكم ولو بالقوة، ويبرر وضع يده الحديدية على سوريا في اطار نظام الديكتاتورية الذي تعودنا سلوكياته، فليس لديه ادنى امل بالوصول الى السلطة الا من خلال التطويع والقوة والقبضة الحديدية على الشعب وفرض سلطته بالإجبار والقتل وبقوة السلاح وبقوة إيران، واصداء خطابه هي براميل متفجرة تُلقى على حلب ودرعا والقلمون حينا وعلى الداخل اللبناني حيناً آخر متجاوزة الحدود»، ويؤكد ان «وضعه كرئيس لسوريا ليس وضعاً طبيعياً لانه لم يأت وفق انبثاق صحيح وصادق لسلطته من قبل الشعب السوري، فهو ليس رئيساً منتخبا من الشعب السوري الذي هجّره وقتله وسجنه وهو نظام يستكمل الهيمنة الإيرانية – الروسية على العراق وسوريا ولبنان بشكل او بآخر، وحسب خصوصية كل منطقة وما زال يتبع منظومة الانظمة التي تستخدم القوة ضد شعوبها وتؤدي الى مقتل مئات الآلاف».
وعن شكره لـ«حزب الله» على واجب الدفاع عن المقاومة في سوريا كما في الجنوب يعتبر الهبر ان «تمدد سلطة ايران في العراق وسوريا ولبنان شكل لحزب الله حامية للخاصرة السورية، اي نظام حافظ الاسد سابقاً وبشّار الاسد اليوم فهذا هو نظام الاشخاص والعائلة والقبيلة ونظام المذهب العلوي في سوريا والا لماذا يتم قتل الشعب السني الفلسطيني في غزة من قبل اسرائيل وفي الوقت نفسه يتم قتل وقصف بالطائرات والبراميل من قبل العلويين وحزب الله في سوريا، وكذلك من قبل المالكي في العراق؟ الامر واضح وليس بحاجة الى تفسير لان المشروع الايراني واضح».
اما منسق «تيار المستقبل» في طرابلس النائب السابق مصطفى علوش فقد علق بالقول: «هناك حالة نفسية تسمى La belle indifference أي اتجاهل ما اهتم به، وعملياً وبالتأكيد هناك حرقة لدى نظام بشّار الاسد وهي الخروج من لبنان وكل المطلعين على واقع ما تبقى من السلطة في سوريا يعتبرون ان بشّار الاسد نادم على مسألة وحيدة في حياته وهي الخروج من لبنان لأنه اولا فقد القدرة على المساومة به وهو حاليا يساوم عليه من خلال حزب الله، وجعلته يخسر ما اعتبره والده حافظ الاسد كسبه وهو سوريا الكبرى التي تضم لبنان، وبالتأكيد ان حرقة الخروج من لبنان بشكل مذل سنة 2005 موجودة في كل ما يتحدث عنه بشار الاسد».
وعن توجيه التحية لـ«حزب الله» لا يشكك علوش في ان «الحديث عن هذا الامر، هو استدراج لحزب الله للتورط في الحرب السورية اكثر فأكثر، وما المديح الذي كاله للمقاومة الا محاولة لتشجيعه هذا الحزب على الاستمرار بقتل السوريين لحساب بشار الاسد، وهذا لا يشرّف حزب الله، ولكن نحن ندرك ان هذا الحزب باع نفسه الى مشروع قاتل وهو جزء من المشروع الايراني وكيفية تطبيقه واضحة، فلنتذكر كيف ان هناك 5 من اعضائه متهمون بقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والشهداء الآخرين من قوى 14 آذار، وضحايا التفجيرات اصابع الاتهام في مقتلهم موجهة الى «حزب الله» وكذلك ضرب الديموقراطية والاقتصاد وضرب البلد، اجتماعيا وسياسيا واثارة الفتنة في لبنان موجودة في خانة حزب الله فهذا الحزب عمليا هو اداة، هم فرحوا بأن وزير الخارجية الاميركي سماه قوة اقليمية ولكن عمليا كانت غلطة منه، فحزب الله هو اداة اقليمية لان القوة تنبع من الشعب ولكن حزب الله يعرف انه ينبع من مشروع واحد إيراني المنشأ وينتهي عنده».
وحول انتقاده لسياسة النأي بالنفس، يجد ان «هذه السياسة هي عملياً غير واقعية، فلبنان لمجرد استقباله النازحين السوريين الهاربين من جور النظام، فهذا يعني اننا لا ننأى بأنفسنا وبمجرد ان يكون حزب الله منغمسا في قتل السوريين وفي استباحة دمهم ايضاً فذلك يعني ان لا وجود للنأي بالنفس، سياسة النأي بالنفس عملياً غير مطبقة وكنا نأمل في ان تطبق ولكن في الواقع هي غير موجودة، المساهمة بالإعلام لمصلحة الثورة السورية ليست نأياً بالنفس فلنخرج من ذلك، نحن جزء من الواقع القائم في المنطقة وتداعياته تقع علينا، وعمليا عندما يتحدث عن عدم النأي بالنفس عما يحصل في غزة فكان عليه التحرك ايام العز عندما كان قادرا على ان يطلق صاروخين باتجاه اسرائيل، ولكن عملياً هو يعرف انه كان جزءا من التوازن القائم وأهم شيء فيه هو رضا اسرائيل ورضا الدول الكبرى وبالاخص الولايات المتحدة الاميركية عنه، في هذا الوقت يمكن ان «يقطع» و«يشلح» قدر ما يريد ويعود الى نفس الخطاب والعبارات الخشبية التي كانت موجودة لكنه يدرك انه جزء من تاريخ مضى ولن يكون موجوداً في المستقبل».