في انتظار التوافقات الإقليمية والدولية الكبرى التي يعوَّل عليها أن تطلق التوافقات الصغرى هنا وهناك، بدأ فريقا 8 و14 آذار يحاولان تقطيع الوقت بفتحِ ملفّاتٍ يدركان أنّها لا تستوي إلّا في حال انتخاب رئيس جمهورية جديد. ولذا بدأ فريق 14 آذار يستعدّ لفتح ملفّ الانتخابات النيابية تحت عنوان رفض أيّ تمديد جديد لولاية مجلس النواب التي تنتهي في 20 تشرين الثاني المقبل، ولاقاه فريق 8 آذار في المقابل مُشدّداً على إجراء هذه الانتخابات ورافضاً أيّ تمديد، ومُشكّكاً في نيّاته، متّهماً إيّاه بأنّه عاد إلى سياسة الرهان على التطوّرات الإقليمية، لكن من البوّابة العراقية هذه المرّة.وفي هذا السياق يُطلق رئيس تكتّل «الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون اليوم مبادرة ثلاثية تشمل الانتخابات الرئاسية والانتخابات النيابية ومسألة تكوين السلطة التي تحوّلت من مدخل إلى التغيير والتجديد إلى محطة لتوليد الأزمات عند كلّ استحقاق.
لا مؤشّرات توحي بإمكانية خرق الجمود على خط الاستحقاق الرئاسي، على رغم أنّ الاتصالات واللقاءات الجارية على هذه الجبهة لم تهدأ، وأبرزها الحراك الذي شهدته باريس أخيراً وقاده الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ووزير خارجيته رولان فابيوس، ووزير الخارجية الاميركي جون كيري، واجتماعات الرئيس سعد الحريري مع كلّ منهما، معطوفةً على حركة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي واجتماعه بسفراء الدول الخمس الكبرى، ولكنّها لم تسفِر عن تحريك الملف الرئاسي، بدليل أنّ الجلسة الإنتخابية الثامنة لانتخاب رئيس جمهورية جديد بعد غدٍ الأربعاء ستلقى مصير سابقاتها، وبالتالي لن تشهد لا نصاباً ولا انتخاباً، لأنه لم تسجَّل لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري حتى الآن أيّ معطيات جديدة تبعث على التفاؤل بانتخاب رئيس جمهورية جديد خلالها، على حدّ ما نقل عنه زوّاره أمس.
وفي السياق، كشَفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» أنّ اجتماعات كيري في باريس لم تتوصّل الى مدخل جديد للإستحقاق الرئاسي. كذلك تبيّن انّ الأطراف الإقليمية غير مستعدّة في المرحلة الحالية للتنازل في لبنان، خصوصاً بعدما بلغَ النزاع في ما بينها ذروته بسبب الأحداث الجارية في العراق. وأشارت هذه المصادر الى انّ اجتماعات كيري ركّزت بمجملها على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الأمني في لبنان، علماً أنّ هذا الاستقرار تعرّض لهزّات عدّة بفعل العمليات الارهابية التي حصلت الاسبوع الماضي.
في غضون ذلك، غادر رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بيروت أمس متوجّهاً إلى باريس للِقاء هولاند والبحث معه في التطورات والاستحقاق الرئاسي.
برّي
إلى ذلك، وفيما ينوي فريق 14 آذار إثارة ملفّ الانتخابات النيابية مع اقتراب موعد دعوة الهيئات الناخبة في 20 آب المقبل، ورفض أيّ تمديد جديد للولاية النيابية الممدّدة. أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري لزوّاره مساء أمس تشديدَه على إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، مُذكّراً بأنّه كان أعلن هذا الموقف في جلسة الحوار التي انعقدت في 4 آذار الماضي، عندما سأله رئيس الجمهورية رأيه في هذا الشأن، فقال له إنّه مع إجراء الإنتخابات في موعدها، ولا يحبّذ التمديد لمجلس النواب، وإذا تعذّر إقرار قانون انتخابات جديد لإنجاز هذا الإستحقاق فإنّ قانون 1960 النافذ موجود وتُجرى الإنتخابات على أساسه.
وشدّد برّي على إجراء الإنتخابات النيابية في مواعيدها، بعيداً من أيّ تمديد، مشيراً إلى أنّ البعض سار في التمديد للمجلس عام 2013 ووافقَ عليه ثمّ خرج بعد الجلسة النيابية التي أقرّ فيها هذا التمديد ليطعن به.
وكرّر برّي دعوته إلى الاستثمار في الأمن، مؤكّداً أنّ الجيش والقوى الأمنية هما خشبة الخلاص للبلاد حاليّاً في ظلّ الشغور في رئاسة الجمهورية والتعطيل الحاصل للسلطتين التنفيذية والتشريعية.
ولذلك يجب تقديم كلّ الدعم والمساعدة لهذه القوى لكي تستمرّ في الحفاظ على الاستقرار.
مبادرة لعون
وفيما الأفق الرئاسي مسدود، تتّجه الأنظار إلى ما سيعلنه العماد عون خلال مؤتمره الصحافي الحادية عشرة والنصف قبل ظهر اليوم في الرابية.
كنعان لـ«الجمهورية»
وعشيّة هذا المؤتمر أكّد أمين سرّ «التكتّل» النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية» أنّ عون سيُطلق اليوم «مبادرة على مستويَين؛ رئاسي ونيابي»، مشدّداً على «أنّ الأهم يبقى في ارتباطهما بشكل واضح بالدستور والميثاق، بالتلازم مع توافر إرادة صادقة بالاحتكام إليهما فعلياً». وقال: «بعد مرور شهرين على انتهاء الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية وعدم التمكّن من انتخاب رئيس جديد، وقبل شهر ونصف شهر من دعوة الهيئات الناخبة الى إجراء انتخابات نيابية، والاقتراب من الوصول الى مهلة
20 آب من دون أن يُقرّ بعد قانون انتخاب جديد حسبما وعدت الكتل النيابية التي وافقت على التمديد للمجلس النيابي، بات لزاماً إجراء تقويم للواقع النظامي والسياسي المأزوم والمرتبط، في رأينا، بإرادةٍ سياسية مفقودة لمعالجة جدّية وحقيقية، وطرح مبادرة للخروج من هذا التأزّم، نجاحُها مرهون بتوافر النيّات الصادقة والإرادة الحقيقية».
«التيّار الحر»
من جهتها، قالت مصادر بارزة في «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» إنّ عون لم يترشّح أصلاً لكي يعلن اليوم انسحابَه من المعركة الانتخابية، بل أعلن مراراً وتكراراً أنّه مرشّح توافقي.
واعتبرت أنّ مبادرة عون ستُخرج البلاد من الستاتيكو الحالي، مشيرةً إلى أنّ «التيار» سيبدأ منذ اليوم تحضيراته استعداداً لخوض الانتخابات النيابية، وفقاً لقانون انتخابي يؤمّن أكثرية وأقلّية، بما يؤدّي إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد.
وعن علاقة «التيار» مع بكركي، قالت المصادر: «إنّ التيار مستعجل أكثر من بكركي لإجراء الإنتخابات الرئاسية، إنّما هذه الانتخابات يجب أن لا تأتي برئيس جمهورية يمدّد الفراغ لستّ سنوات جديدة، وبكركي معنا في هذه الفكرة، أمّا ما يُشاع عن علاقة متوتّرة معها فهو يندرج في سياق حملة تُشَنّ على «التيار» ومصدرُها جهة واحدة».
وأكّدت المصادر أنّ الحوار بين التيار و«المستقبل» مستمرّ، وليس محصوراً فقط بملف الاستحقاق الرئاسي، إنّما يشمل ملفّات عدة.
«14 آذار»
وفي المقابل، قال مصدر في قوى 14 آذار لـ«الجمهورية» إنّها «تعقد اجتماعات بعيداً من الأضواء بغية الخروج بموقف موحّد من الانتخابات النيابية، حيث تتّجه معظم مكوّناتها إلى المشاركة في هذه الانتخابات رفضاً للتمديد وتأكيداً لاحترامها المهَل الدستورية، على رغم أنّ ثمّة وجهة نظر داخلها تشدّد على أولوية الانتخابات الرئاسية، لأنّ إتمام الانتخابات النيابية في ظلّ الفراغ الرئاسي يشكّل سابقة في لبنان، وسيؤدّي إلى تعقيدات دستورية في ظلّ وجود تساؤلات لا أجوبة حولها، من قبيل: مَن يجري الإستشارات لتسميةِ رئيس الحكومة؟ وكيف يمكن حلّ إشكالية أنّ رئيس الجمهورية «يُصدر تسمية رئيس مجلس الوزراء منفرداً»، أو أنّه «يُصدر منفرداً المراسيم بقبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة»؟
وأكّد المصدر أنّ 14 آذار بدأت استعداداتها العملية، حيث إنّ الماكينات الانتخابية باشرَت تحضيراتها ولقاءاتها، ولن تسمح بتحميلها مسؤوليّة التمديد الذي تعتبره مطلباً لـ«حزب الله»، كما أنّ كلّ الاستطلاعات تؤشّر إلى تقدّم مسيحيّي 14 آذار على 8 آذار، فضلاً عن إقفال تيار «المستقبل» ساحتَه بنحو محكَم، وبالتالي ستشكّل هذه الانتخابات مناسبة لـ 14 آذار لكي تعزّز وضعَها النيابي».
«8 آذار»
إلّا أنّ مصادر في قوى 8 آذار قالت لـ«الجمهورية» إنّ فريق 14 آذار يناور في مطلبه إجراءَ الانتخابات النيابية، فيما هو لا يحبّذ إجراءَها، لأنّه بدّلَ في أولوياته الداخلية نتيجة المشهد العراقي المستجدّ، الذي دفعَه إلى العودة للمراهنة على التطوّرات الإقليمية وعدم السير لا في الانتخابات الرئاسية ولا في الانتخابات النيابية، اعتقاداً منه أنّ ما يجري في العراق سيطيح حكومة المالكي وكذلك سيطيح محور المقاومة والممانعة الممتدّ من إيران الى لبنان وفلسطين مروراً بالعراق وسوريا. وأكّد المصدر أنّ فريق 8 آذار، وفي ضوء هذه الرهانات المتجدّدة لدى فريق 14 آذار، قد وطّن نفسَه على أنّ الاستحقاق الرئاسي سيتأخّر إنجازُه جتى نهاية السنة على الأقلّ، وأنّ إجراء الانتخابات النيابية قد يكون متعذّراً، مع العِلم أن ليس لديه أيّ قلق في حال أجرِيت الانتخابات على أساس قانون الستّين النافذ إذا تعذّر إقرار قانون بديل.
الراعي
وفي المواقف، واصلَ الراعي أمس حملته على «نوّاب الأمّة ومَن وراءَهم» الذين «ما زالوا يقدّمون خيبة الأمل للّبنانيين ولأصدقاء لبنان ومحبّيه، ويكرّرونها في كلّ مرّة يُدعَون إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية، وكأنّ عدمَ الانتخاب أمر عادي جداً عندهم». وقال: «إنّنا نعيش في لبنان اليوم انشطاراً كبيراً بين 8 و14 آذار على المستوى السياسي، ما أدّى إلى شطر البلد وصولاً إلى الأزمة العظمى وهي عدم الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وخُلوّ موقع الرئاسة». وأضاف: «على المسيحيّين أن يدركوا أنّ عليهم دوراً يجب أن يلعبوه في العالم الذي يعيش حالةً من النزاعات، ونرى في منطقة الشرق الأوسط النزاعات الكبيرة التي بين أبناء العائلة الواحدة في السُنّة والشيعة تُخربِط كياناتهم وبلدانهم قتلاً وتهجيراً وتنكيلاً ونزاعاً بين المتشدّدين والمعتدلين، هنا دور المسيحيين الذي يَجمع ويبني، نحن المؤمنين بالتعدّدية».
اليازجي
من جهته، دعا بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي السياسيين في لبنان الى أن « يكونوا على مستوى المسؤولية التي ائتمنَهم الشعب عليها»، مشيراً إلى «أنّ الحوار والتلاقي هو الكفيل بحفظ الاستقرار، فالفراغ الرئاسي يعطّل المؤسسات المؤتمَنة على خدمة المواطن».
واعتبرَ اليازجي أنّ «الصمت الدولي تجاه قضية المطرانين المخطوفين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي وصمةُ عارٍ على جبين كلّ مَن يدافع عن حقوق الإنسان».
مجلس وزراء
من جهة ثانية، يجتمع مجلس الوزراء قبل ظهر الخميس المقبل في السراي الحكومي، وذلك عملاً بمهلة الـ 96 ساعة التي تسبق الجلسة، وذلك بعدما أقرّ الأسبوع الماضي منهجية عمله على قاعدة التوافق «الذي يقف على حافة الهاوية»، على حدّ تعبير أحد الوزراء.
وقالت مصادر سلام إنّ هذا الموعد سيبقى سارياً طوال شهر رمضان، وإنّ جدول الأعمال كبير وواسع، وعُمِّم على الوزراء منذ أمس الأوّل، لكنّ عدداً من الوزراء أكّدوا ليل أمس أنّهم لم يتبلّغوا بعد بالجدول.
الروايات والتحقيقات
وفي جديد التحقيقات في قضية الإنتحاريين نزيلي فندق «دو روي» أقفلَ قاضي التحقيق المعاون في بيروت داني الزعني أمس الأوّل التحقيقات التي أجراها مع الإنتحاري عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الرحمن الشنيفي الذي نجا من الإنفجار وهو يقبع الآن في مستشفى «اوتيل ديو» التي أعيدَ إدخاله إليها إثر وعكة صحّية تسبّبت بها التهابات الحروق من الدرجة القصوى التي أصيب بها في الإنفجار الذي أودى برفيقه.
وقالت مصادر التحقيق لـ«الجمهورية» إنّ الشنيفي اعترفَ أثناء التحقيقات بأنّ المهمة الأولى التي تبلّغ بها فور وصوله إلى بيروت كانت تقضي باستهداف المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم، قبل أن يتبلّغ ورفيقه أنّ المهمّة تغيّرت قبل 24 ساعة على التفجير الإنتحاري بحاجز لقوى الأمن الداخلي في ضهر البيدر. كما أنّهما تبلّغا لاحقاً أنّ المهمّة الجديدة ستكون على طريق مطار بيروت الدولي، ما يعني «قرية الساحة التراثية» أو البقاع اللبناني (مطعم حنوش – زحلة)، قبل أن تحدّد المهمة النهائية في «مجمّع الساحة».
3 مجموعات شاردة
وقالت المصادر إنّ الشنيفي أبلغَ إلى المحققين أنّ هناك مجموعات أخرى دخلت لبنان وانتشرت فيه، وهي من شخصين على الأقلّ، للقيام بمهمات مماثلة، لكنّه لا يعرف أيّاً من أبطالها، بعدما سمع أنّ هناك ثلاثَ مجموعات على الأقلّ وصلت الى لبنان بالتزامن مع وصوله ورفيقه الإنتحاري علي بن ابراهيم بن علي الثويني الذي قضى في الفندق.
واستغربَت المصادر بعض الروايات الإعلامية، وقالت إنّ التحقيقات التي جرت مع مشروع الإنتحاري السعودي الموقوف وشهود العيان وموظفي الفندق ومواطنين تبرّعوا بمعلومات بصفتِهم من سكّان المنطقة المحيطة بالفندق أو العاملين في المؤسسات القريبة منها، لا شيءَ فيها يؤكّد كلّ ما تناولته بعض الروايات التي نُشِرت في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، جازماً أنّ العديد منها يتناقض والتحقيقات التي أجرَتها الأجهزة الأمنية وتلك التي تولّاها القضاء. وتوقّف عند معلومة دقيقة وهي أنّ الانفجار وقع في الغرفة 307 من الطبقة الثالثة في الفندق.
إغتيال «فتحاوي»
وعلى مستوى أمني آخر، اغتيل الناشط الشبابي «الفتحاوي» محمد سلطان في حيّ طيطبا، في عين الحلوة، وتوتّرَت الأجواء لبعض الوقت. وإلى ذلك، وقع إشكال على حاجز الأمن الوطني الفلسطيني عند المدخل الشمالي للمخيّم بين مجموعة تحمل أعلام «داعش» وعناصر الحاجز الذين أطلقوا عليهم النار، ما أدّى إلى سقوط جريح منهم وسط توتّر واستنفار في المخيّم.