في الزمن الذي إنحسرت ثقة بعض الحكّام بأنفسهم وبشعوبهم ولذا إبتعدت هذه الشعوب عنهم من دون أن تتبدد مشاعر الخوف الناشئة عن هذا الإبتعاد…
وفي الزمن الذي يحدث فيه أن بعض الحكام يتعاملون مع شعوبهم وكأنهم أعداء ومع مدنهم وبلداتهم تعامُل من يراها أهدافاً برسم التدمير على مَن فيها…
وفي الزمن الذي تصبح خصال غير مستحبة مثل العناد والتشاوف والتحدِّي ولويْ الحقائق وعدم التبصر والتفكير بمستقبل الأجيال الآتية وتلك الأجيال الباحثة عن مستقبل وإستقرار في العيش وفي الوظيفة، هي مضمون مشروع هذا الحزب أو ذاك التيار أو تلك الحركة…
وفي الزمن الذي لا تعود خشية الله واردة في رؤى أطياف تتزعم ويتسبب ذلك في تعطيل إنتخابات رئاسية من شأنها تمهيد السبيل أمام إستقرار نسبي أو كامل طالما حنَّ إليه القوم في هذا البلد أو ذاك…
وفي الزمن الذي تتصرف فيه الدول الكبرى بأسلوب التآمر على قضايا الأمتيْن العربية والإسلامية فيوحي «الصديق» الروسي لصاحب المصاب الأعظم بأنه لن يتخلى عنه ويفعل «الحليف» الإيراني الأمر نفسه ومن دون أن يستوقف صاحب المصاب الذي هو الرئيس بشَّار الأسد أن هذه اللهفة الروسية – الإيرانية ستودي به إلى مصير إنتهى إليه من قبل معاندون من النوعية نفسها، وعندها لن تفعل روسيا البوتينية أفضل مما فعلتْه عندما تهاوى نظام صديقها العقيد معمر القذافي الذي غذَّى خزائن مصانعها الحربية كما لم تقطف مثل هذا السخاء من قبل. وها هي بعدما تهاوى النظام وقفت تتفرج وكأن المسألة مجرد فيلم هوليوودي بإعداد أميركي – فرنسي – بريطاني وتمويل ليبي من الحسابات المكتنزة لجماهيرية العقيد القذافي ولأطنان الذهب التي أودعها في مصارف الدول المعتدية. كما أن إيران التي زوّد العقيد القذافي جيشها خلال الحرب الصدَّامية – الخمينية بالصواريخ والعتاد ونظامها بالمواقف السياسية لم تجد ما تفعله عندما تحالف الأميركي مع الفرنسي مع البريطاني مع الإيطالي مع آخرين لإسقاط القذافي سوى نفْض اليدين من الأمر وشطّْب ما في الذاكرة من مواقف. ولقد فعلت روسيا الشيء نفسه في زمن لم يك حاكمها بالتطلعات التي هو عليها قيصرها الجديد فلاديمير بوتين. تركت اميركا البوشية وبريطانيا بلير تفترس العراق ثم تحتله ثم تتركه عرضة للنزف على أنواعه وبالذات دماً ومالاً. ولا نرى في المشهد الآتي موقفاً مختلفاً من جانب روسيا وإيران إزاء الرئيس بشَّار الذي لن تكون أحواله بعد الإنتخابات أحسن مما كانت قبلها.
المهم أنه في هذا الزمن الذي أوردْنا بعض ملامح محطاته تحدُث إضاءات يستبشر المرء خيراً بها. ومن هذه الإضاءات ما حدث في مصر التي ستجدد نفسها بعد المفاجأة الإنتخابية المفعمة بأحاسيس وطنية ومسؤولية تجاه الوطن من جانب الرئيس الجديد المشير عبد الفتاح السيسي الذي بات في عنقه أغلى ديون في تاريخ العلاقة بين الشعوب والحكام، ذلك أن الشعب المصري منحه ثقة لم يمنحها لأحد من قبل. وكانت ثقة عفوية ومفعمة بالآمال المعلَّقة عليه من جانب فقراء مصر الذين يأملون من رئيسهم الجديد تحقيق مجتمع لا يكون الفقر فيه على ما هو عليه، ومن أغنياء مصر الذين من دون تحقيق الأمن والإستقرار لا يعود الغني غنياً. وبين فقراء مصر وأغنيائها هنالك الطبقة الأكثر احتياجاً إلى أن تستعيد صفتها كطبقة متوسطة وبذلك تستقر أحوال المجتمع المصري.
ولقد كنا نتمنى أن تتجدد سوريا وبالذات مع الولاية الأولى للرئيس بشَّار الأسد وبحيث تكون حالها مثل حال مصر المتجددة بدءاً من مرحلة ما بعد الفوز المبهر للمشير عبد الفتاح السيسي.
ولو أن الرئيس بشَّار كان على درجة من بُعد النظر لكان حقق إلتفافاً شعبياً حوله بمثل الإلتفاف الذي لقيه المشير السيسي من الشعب.
والأهم من ذلك إنه كان لن يدمر بنياناً ولن يشتت شعباً ويبعثر جيشاً. أما كيف يكون بُعد النظر فمن خلال أن يصحح ما سبق ويبدأ، ما دام إرتاح من إرث التورط في لبنان، تحويل سوريا إلى دولة متقدمة وذات علاقات متوازنة مع الأشقاء ودول العالم.
ويبقى أن الذي حصل في مصر وكيف أنها على موعد مع التجدد في ضوء إنتخابات كان الشعب فيها سيد الموقف، سيكون بمثابة أمثولة لِمَا ستؤول إليه الأحوال في سوريا ذات يوم تراه روسيا وإيران والأطراف التي تحركت في إطارهما بعيداً إن لم يك مستحيلاً ونراه ممكناً وقريباً.
صبراً بنو أمية كصبر بني هاشم وصبر شعب فلسطين. ونكتفي بذكر هؤلاء الثلاثة من الصابرين وذلك لأن القائمة طويلة مع تنوُّع الضيم وإختلاف درجات الصبر.