IMLebanon

«الأمن الذاتي» مبالغة إعلامية في خدمة.. «حزب الله»

 

أكثرت وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة بعد أحداث عرسال من الحديث عن حالات تسلّح تجرى في القرى الحدودية اللبنانية السورية شمالاً وبقاعاً لا سيما بعد أن أبدى المسيحيون تخوفهم من الخطر الارهابي المتمثل بـ«داعش» ووصولها الى لبنان. وتردد كما أشاع إعلام 8 آذار ان ثمة عمليات «تسلّح» في القرى لتبرير سلاح «حزب الله» او الاستنجاد به.

التحدي الكبير الذي يواجهه اللبنانيون اليوم يتعاطى معه البعض لتعزيز منطق الغلبة والقوة لسلاحه على حساب القوى الأمنية اللبنانية وتقديمه على سلاح الجيش حامي اللبنانيين ووطنهم. ترويج إعلام «حزب الله» لهذه الأجواء له غاية واضحة وهي تدعيم ما يسمى «السرايا اللبنانية» وتجنيد الآلاف في صفوفها مقابل الدعوات التي تصدر لتسليم سلاحه الى الجيش اللبناني والاعتراف بشرعيته الوحيدة على الأرض اللبنانية. وفي المقابل روّج آخرون لأهمية استعادة الأمن الذاتي المسيحي على أساس أن المسيحيين مستهدفون من قبَل قوى «داعش» والقوى المتطرفة. وتردد إعلامياً سعي بعض القوى الى حمل السلاح في حين أن كل الحالات المرصودة بيّنت أن التسليح حالة فردية إلا أن تسليح المجموعات ظهر عند قوىً تابعة لفريق 8 آذار وهو ليس مستغرباً، إذ إن هذا السلاح يظهر في حالات عديدة في زواريب العاصمة وفي الضاحية وفي البقاع والشمال والجنوب من دون حسيب أو رقيب. وتشير بعض المصادر الى أن «حزب الله» ينسق مع قوى علمانية ومع بعض مشايخ إحدى الطوائف في قرى جنوبية وبقاعية تحت شعار مواجهة «داعش» وحيث يعمّم أن هناك 3000 «داعشياً» في مقلب جبل الشيخ. كذلك تبرز ممارسات أمنية تحت عنوان «الحماية»، إذ تقوم عناصر تابعة لـ«حزب الله» في الغازية وفي قرى الزهراني بحراسات ليلية ومداهمات من دون معالجة تبعات مثل هذه التحركات التي تشير الى تعميم الأمن الذاتي.

لا شك في أن الانسان بطبيعته يسعى الى تأمين نفسه من الاعتداءات وقد يتخذ إجراءات ذاتية للدفاع عن نفسه وبيته وعائلته، الا ان ذلك لا يؤدي على الاطلاق الى توفير الامن الوطني الذي يبقى مهمة المؤسسات العسكرية التي تضع استراتيجية مناسبة للقيام بالدفاع عن الدولة وامن مواطنيها الى اي فئة انتموا ومهما كانت توجهاتهم السياسية.

برأي منسق «تيار المستقبل» في طرابلس النائب السابق مصطفى علوش ان «الطلب على السلاح عند الناس موجود، احياناً يطلب بشدة واحياناً يخف. هذا السلاح ليس له إمرة محددة، انه يقع تحت عنوان الحماية الشخصية كما يبرره البعض. وهناك سلاح معروف من يمتلكه، يوزع بقرار سياسي وبإمرة سياسية وله وظيفة معينة»، مشيراً الى انه «عندما جرى الحديث عن جمع سلاح الميليشيات في اواخر الثمانينات لم يتم جمعه بالكامل، وبقي السلاح في ايدي البعض، وخلال فترة الازمات كان هذا السلاح يظهر (في حرب 2006 وفي احداث ايار 2008)، وصار اقتناء السلاح الفردي امراً شبه عادي في ضوء الاحداث والتطورات، لكن السؤال ما هي نسبة المتسلحين 2 او 3% من الشعب اللبناني وهل هناك طلب عليه؟ الجواب يكون بمعرفة اسعار السلاح هل زادت ام انخفضت». ويعتبر ان «التسلح دليل على وجود ازمة ولا يمكن اعتماده كحل لان الدولة هي التي تحمي افرادها من المخاطر الداخلية والخارجية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في وجود ميليشيا منظمة في لبنان. «حزب الله» يستغل «داعش» اليوم لتوسيع تواجده في مناطق لا يسيطر عليها من خلال تسليح مجموعات تابعة له، من دون ان يلتزم بمسؤوليات مادية ومعنوية تجاهها».

ولا يوافق علوش على توصيف المرحلة التي نعيشها بانها تشبه مرحلة الـ 1975، موضحاً انه في الـ 75 كان هناك فريقان سياسيان متواجهان، الكتائب والجيش، مقابل اليسار والقوى الفلسطينية. اليوم ليس هناك الا قوة مسلحة واحدة. يمكن للقوة التي تمتلك السلاح اليوم ان تثير الفوضى وتبقي الوضع الامني في حالة الحذر الا انها لا تستطيع ان تشعل الحرب الاهلية، لأن الطرف المواجه ليس لديه سلاح ولا مصادر دعم وليس لديه قرار مواجهة مسلحة وغير مدعوم لا اقليمياً ولا دولياً وهو حال فريق 14 اذار».

وعن حقيقة خطر «داعش» يجد انه بعد احداث عرسال من الطبيعي رؤية الخطر. واحياناً يجري تضخيم الصورة نتيجة اليأس الموجود من عدم امكانية الحل في الوضع المتأزم داخلياً في لبنان، فخطر «داعش» ليس على المسيحيين فقط وليس على الشيعة فقط. فالخطر يطال السنة والاعتدال، والجو المتوتر يخلق تصريحات متوترة مسيئة وغير محسوبة النتائج من قبل رجال دين وهو ما حصل ويجب تفاديه».

اما عضو مجلس بلدية القاع المحامي بشير مطر، فيشير الى ان هناك اجواءً اعلامية تتحدث عن ظاهرة التسلح، إلا ان ذلك لا يعكس حقيقة واقع الامور وهناك مبالغة كبيرة»، ويشرح «احداث عرسال الاخيرة وخطر داعش دفع ببعض اهالي البلدة في القاع وفي عدد من القرى الحدودية مع سوريا مثل راس بعلبك والفاكهة والهرمل وغيرها الى اخذ احتياطات من نوع شراء سلاح من قبل اشخاص لحماية بيوتهم وهذا لا يسمى امناً ذاتياً كما يتردد لأن الجيش موجود والدرك موجود والاجهزة الامنية تقوم بدورها لحماية هذه القرى، فالوضع لايشبه ابداً الوضع الذي عاشه لبنان عشية الحرب الاهلية. الخطر ليس موجوداً من الداخل وانما من الخارج، والجيش اثبت في عرسال القدرة على مواجهة هذا الخطر، ولذلك يجب عدم تخويف الناس اعلامياً لان هناك من يقوم بواجب الدفاع عنهم وحمايتهم». لكنه يرى ان «هناك «نقزة» عند البعض وانه قد يذهب الصالح بعزى الطالح كما يقولون في حال طالهم خطر الارهاب»، ويجد ان «الخطر موجود في الداخل من ان تستخدم اماكن تجمعات النازحين السوريين لإيواء ارهابيين خصوصاً في غياب معالجة ملف النازحين على كل المستويات، حيث يتضرر اللبنانيون في اعمالهم وحيث التعديات على الكهرباء قائمة والمياه مقطوعة بسبب عدم قدرتها على تلبية الحاجات وهو امر لا يمكن تحمله من اهالي القرى الحدودية، اضافة الى اهمية ضبط الوضع الامني، فمَن يضمن ان النظام السوري لا يرسل «ملائكته» اليها، ثم ان حرمان النازحين من المساعدات سيؤدي الى مشكلة اجتماعية. فالطفل المحروم سيكون بيئة مناسبة لتغلغل الارهابيين بمساعداتهم اذا حرمتهم منها الامم المتحدة. نحن امام تحديات والامور تحتاج الى مقاربات مختلفة من اجل عدم خلق بيئة معادية للبيئة اللبنانية واحترام اصول اللياقة والضيافة».

ويعلق على ما يحكى من شراء سلاح وذخيرة بالقول: «من يملك سلاحاً فردياً لا يملك ذخيرة تكفيه لإطلاقه في عرس»، مشدداً على ضرورة وعي ان احزاباً معينة تحاول اخذنا الى خيارات معينة، الا ان الحقيقة انه لدينا ما يكفي من عناصر الجيش الذين يستطيعون الدفاع عن القاع وعن القرى الحدودية وهناك عسكريون مسرّحون (احتياط) وطالما تقوم المؤسسات الشرعية بواجبها فلا يمكن لأي امن ذاتي ان يحمي الناس، فنحن خلف الجيش وبإمرته».