عملياً، «داعش» أنشأت دولتها. وواشنطن لا تقاتل «داعش – الدولة» داخِل حدودها، بل «داعش- التنظيم» ليلتزم «حدوده»… وليفعل في داخلها ما يشاء! وهكذا ينفِّذ الرئيس باراك أوباما، بقصد أو بغير قصد، مشروعاً قديماً لإعادة رسم الخرائط في الشرق الأوسط. وسيأتي يومٌ تنكشف فيه الخرافات وأدوار الأقربين والأبعدين في أسطورة «داعش».
إمعاناً في إزالة الحدود بين سوريا والعراق، أعلنت «داعش» ولاية الفرات، على مجرى النهر بين البوكمال السورية و«القائم» العراقية، كجزء من «دولة الإسلام في العراق وسوريا». ومن الموصل إلى الرقّة، رسمت «داعش» دولتها الآمنة، فيما أصدقاؤها المفترضون وأعداؤها المفترضون، على السواء، دعموها أو يدعمونها، مداورة، وكلٌ على طريقته.
ولا أحد يقاتل «داعش» اليوم في عقر دارها، بل على خطوطها الأمامية. فقط، ممنوع عليها خرق الكيانات الأخرى… المدروسة: لا العراق الشيعي، ولا الأكراد، ولا مناطق النفوذ العلوية – الشيعية في سوريا.
وأما لبنان فهو ممرٌّ لا مقرٌّ لـ«داعش». ولاحقاً سيظهر دور التنظيم في الأردن وغزة.
قبل إندلاع الحرب السورية، كانت «داعش» قد رسَّخت نواتها العراقية (دولة الإسلام في العراق). وبعد الحرب، حظيت «داعش»، كسواها من مكّوّنات المعارضة، بدعم المحور الإقليمي السنّي بكامله، بما فيه السعودية.
وقد إستثمر النظام بروز «داعش» ليمارس لعبة ذكية تضمن له البقاء. فهو ترك لـ«داعش» مَهَمَّة تصفية «الجيش السوري الحرّ»، على أن يتولّى المجتمع الدولي مَهَمَّة ضرب «داعش»، ضمن «الحرب على الإرهاب».
وثمّة كلام كثير على دور للنظام في تسهيل الطريق لـ«داعش»، أحياناً، وعن «صفقات براغماتية» صغيرة وموضعية بينهما. فالطرفان تقاسما المناطق «على البارد» أحياناً، وتبادلا الرهائن والمخطوفين. ويقال أيضاً إنّ النظام إشترى من «داعش» بعضاً من نفط الموصل الذي يحتاج إليه، والذي تحتاج «داعش» إلى تصريفه، ولو بأسعار متهاودة، لتشتري به سلاحاً… لا تحارب به النظام!
وهناك شكوك في أنّ النظام أخلى، أخيراً، مناطق في القلمون طوعاً لتدخل إليها «داعش» وتطلق معركتها في لبنان، عبر عرسال. وبعد ذلك، ستكون للنظام وحلفائه ذريعتهم في قلب الأمور رأساً على عقب، والإنتقال إلى مرحلة جديدة من السيطرة.
فـ«معركة تحرير القلمون» التي تهدِّد «داعش» بإنطلاقها قريباً، ربما ينتظرها النظام و«حزب الله» لـ«ينظِّفا» ضفتي الحدود في نهاية المطاف. فالقوى الدولية والعربية ستدعم الأسد وحلفاءه في التصدّي لـ«الإرهاب التكفيري»، متناسية ما إعتبرته سابقاً «إرهاب النظام»، ما يمنحهم فرصة أكبر لحسم المعركة.
ويمكن التأمل جيِّداً في تحذيرات يطلقها ذوو العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى «داعش»، من أبناء البقاع، وإنعكاساتها المحتملة لتبرير مجريات ميدانية دراماتيكية في هذه المنطقة وسواها، ستفرز متغيِّرات على الأرض. فمن المستحيل أن يترك «حزب الله» لـ«داعش» إكتساح بعض البقاع أو الشمال. وما يُتوقع حصوله هو عكس ذلك.
«دولة داعش» مركونةٌ كشاحنةٍ موبوءة الحمولة، في «بورة» بين دويلات الأكراد والشيعة والعلويين وربما سُنَّة الإعتدال. ولن تحظى بمنفذ على البحر، لكي لا تلوِّث أحداً. ووظيفة هذه الدولة هي ذبح «سايكس- بيكو» من الوريد إلى الوريد وقطع رأسها قبل أن تبلغ عامها المئة. ويمكن أن يجري إنهاء «داعش» عندما تنهي وظيفتها، تماماً كما أيّ حجر شطرنج آخر على الرقعة الشرق أوسطية.
وحتى ذلك الوقت، لن تنهزم «داعش» في عقر دارها. وموازنتها المشبعة بالنفط وموارد أخرى كفيلة بإيجاد شبه دولة. وسيُدَوْزِن الأميركيون حدود ضرباتهم لـ«الدولة» عند حدودها الجغرافية المرسومة، بحيث يصبح منطقياً السؤال: عندما يضرب الأميركيون «داعش»، إذا حاولت تجاوز حدودها، ألا يعني ذلك أيضاً أنهم يحرسون هذه الحدود… و«داعش» في داخلها؟
وبعدما باتت «داعش» عنواناً مشتركاً لأزمات الشرق الأوسط، خطفت جنود الأمم المتحدة في الجولان. فما المغزى من حصول ذلك في منتهى السهولة، على حدود لطالما كانت إسرائيل والأمم المتحدة تحصيان الأنفاس فيها؟ وهل تكون المساومة مع المنظمة الدولية «بروفا» لإنطلاق مرحلة الإعترافات المتبادَلة، وهي مرحلة سيؤون أوانها عاجلاً أم آجلاً؟