IMLebanon

الأمين العام والسفير.. وأوهام «الانتصار الكبير»

 

كأنما حصلت معجزة في العالم العربي قوامها انتخابات رئاسية في سوريا. رئيس انتخبه شعب ممانع، وامتدحه حلفاء له ممانعون مثله، بينما هو «يُمانع» الظهور أمام الجميع ليعلن برنامجه الرئاسي للولاية الجديدة وإن كان كل العرب والعالم عالمين بأن برنامجه المستقبلي ليس سوى استكمال لبرنامجه السابق بالقضاء على ما تبقّى من سوريا وشعبها المعارض لسياسته وإرهاب براميله.

اثنان تحدّثا بالأمس بدلاً من الرئيس الممانع: الأمين العام لـ«حزب الله» وسفير النظام السوري. مهما اختلفت المناسبات، تبقى الإنتخابات السورية «العجيبة» تلك محور اهتمام الممانعَين لنقل الصورة من سوريا الى لبنان، علّ لبنان ينعم بهذه «النفحة» من الديموقراطية والحرية في إبداء الرأي! لا يحتاج الأمر الى سؤال، ففي انتخابات المجلس البلدي التي تجري في المدن والقرى اللبنانية يمارس «حزب الله» ميليشياويته المعتادة لتسيير الإنتخابات بالإتّجاه الذي يريد خصوصا في القرى والبلدات التي تخضع لسلطته.. الأمر نفسه يحصل في ظروف أقلّ أهمية، حينما يمنع «حزب الله» أحد المرشّحين للإنتخابات النيابية المنافسين له من ترتيب مؤتمر صحافي.. فهل على اللبنانيين أن يصدّقوا الوهم الذي يعيشه الرجلان في الإقبال الإنتخابي؟

لا شكّ في أن كلاهما استعدّ جيدا لتنظيم تلك الإنتخابات على الأقل في لبنان، وحشدا العديد من الأصوات، واستخدما كل وسائل الترهيب والترغيب لإرغام النازحين على تجديد البيعة لمن يقتل أقرباءهم في سوريا.. ومن وحي عنوان الحملة الإنتخابية الرفيعة والراقية «سوا»، لا يساور اللبنانيين شكّ في أن حلفاء النظام السوري في لبنان «دافنين السرّ سوا»، ووهم النصر ذاك لا يُسقطه سوى التناقض وبعض المشاهدات!

أبدى الأمين العام لـ«حزب الله» امتعاضه من منع بعض الدول السوريين من الإدلاء بأصواتهم «خوفا من النتائج»، ولا بدّ من أن تطبيق نظريّته على تعطيل الإنتخابات الرئاسية في لبنان من قبل فريق 8 آذار يفضي الى النتيجة ذاتها ألا وهي الخوف من النتيجة! وقبل «نشوة» النصر، لا بدّ من التعريج على مشاهدات بأم العين يمكن لأي مواطن لبناني أن يرويها: السيارات التي كانت تُحدث الزحمة على «طريق الشام» أرقام لوحاتها لبنانية، والأغنيات التي كانت تُبثّ خاصة بـ «المقاومة» والشبّان في داخلها كانوا يجاهرون برفع عَلَمي «حزب الله» والنظام السوري، ويتحدّثون مع بعضهم باللهجة اللبنانية، ويتلفّتون الى السيارات «المسالمة» بنظرات تهددّ طريقهم المقفل. فمَن اقترع إذاً ومن غنّى ومَن احتفل؟

بعد ذلك واستنادا الى نتيجة الإنتخابات، قطع الأمين العام لـ«حزب الله» كل الطرق المؤدية الى مؤتمر دولي، ظنّا منه بأن النصر الرئاسي سيعيد بشار الأسد لاعبا رئيسيا على الساحة العربية متحكّما بالسياسة اللبنانية وفارضا قراراته المعلّبة.. إنها مجرّد أمنيات، لا بل استراتيجية كاملة متكاملة من الأفكار والتمنيات التي يبثّها الفريق الممانع طمعا باستعادة الأدوار التي يفقدها شيئا فشيئا من لبنان الى العراق..

حَسَم الأمين العام المعركة لا بل الحرب بكاملها. على هذا، كان من الواجب عليه أن يدعو «الطاقم» الجهادي للعودة الى لبنان، لم يعد هناك ما يقاتلون من أجله، فالرئيس انتصر والأمة نالت مُرادها، وستشرق الشمس وتزقزق العصافير. لا جنيف 1 ولا جنيف2 ولا غيرهما ستحمل حلّا لسوريا، على الجميع أن يذعن للنصر الذي حقّقه «الدكتور بشار الأسد». كل هذا مجرّد كلام، لا يقترن بالواقع إلا إذا عاد شباب لبنان الى أهلهم، عندها فقط يصدّق اللبنانيون بأن الحرب انتهت، لكن طالما لا يمكن الإستغناء عن وجودهم الى جانب النظام السوري فهذا يعني أن الحرب مستمرة، ولا بدّ أن تكون أكثر عنفا، بما أن العنف سيكون الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها الرئيس لإثبات وجوده.. فالإنتخابات لا تُغني عن العنف، ولا تُثبت رئيسا وبالتالي لا تفرض شرعية لا يراها الشعب كذلك!

هذه الشرعية تناولها سفير النظام السوري في لبنان «الشعبية هي التي تمنح الصدقية». ففرحة الأخير بالنصر عارمة، وفائض هذه البهجة تجلّى في مواقفه الداعية الى حلّ سياسي.. يبدو أن السفير متفائل، لا يُلام، فالمشهد الإنتخابي فاجأه، لم يتوقّع أن تأتي الجهود التي بذلها مع الممانعين في لبنان بهذا العدد الهائل من الناخبين، يقول «حجم الاقبال فاق كل التوقعات». اليوم في لبنان كان معطّلا، والوضع في سوريا كان أكثر هدوءا، طبعا فالنظام مشغول بجلب الشعب الى صناديق الإقتراع.

بالنسبة الى السفير، إن «حقائق الإنتخابات أقوى من المكابرة» وهل القول إنّ «الإنتخابات السورية كانت الأعلى نسبة والأكثر حرارة وتمثيلا من فرنسا والعراق ومصر» هو مكابرة؟ ها هو النظام السوري، الذي يحكم سوريا منذ أكثر من أربعة عقود، يصدّر الديموقراطية لينعم بها العالم!

أما خلاصة اليوم الممانع الطويل: في لبنان من يتحدّث باسم بشار الأسد وعوضا عنه وبدلا منه.. في لبنان وسوريا لم تقترع الممانعة لرئيس وإنما اقترعت على حرية الشعبين اللبناني والسوري.. وأمام السوريين والعرب سنوات طويلة لتأمين الحلّ السياسي.. سبع سنوات ألا تكفي؟