من الأخطاء الشائعة في الأوضاع اللبنانية أن “حزب الله” هو حركة مقاومة للاحتلال الاسرائيلي وحركة دفاع في وجه إسرائيل، وأنه تصدّى لهذا الدور ومارسه بفاعلية بعد عجز الدولة اللبنانية المعروف. والخطأ هو اعتبار الحزب حركة مقاومة فقط. ذلك ان مواجهته الاحتلال المشار إليه أثبتت أن المقاومة والتحرير هدفان أساسيان عنده. ولم تُثنِه عن الاستمرار فيها حتى النصر التضحيات الكبيرة التي قدّم. وقد يكون الدعم الشعبي الواسع لمواجهته اثباتاً آخر على أولوية المقاومة والتحرير في لائحة أهدافه. أما الأسباب التي تدفع الى الاعتقاد بـ”الخطأ الشائع” المشار اليه فكثيرة. منها أن نجاح “حزب المقاومة” في التحرير لم يدفعه، كما توقَّع كثيرون ومنهم الرئيس الراحل الياس الهراوي حليف سوريا الأسد، الى وقف مقاومة اسرائيل رغم اعلان الأمم المتحدة أن القرار الدولي 425 قد طُبِّق، وإن بعد 22 سنة. وقد عبّر الهراوي عن توقّعه في موقف إعلامي تناقلته دوائر وزارات الخارجية في العالم. ومن الأسباب أيضاً أن الحجة التي تذرّع بها “الحزب” لمتابعة المقاومة وإن متقطّعة كانت استمرار احتلال تلال كفرشوبا ومزارع شبعا. علماً أنها في خرائط الأمم المتحدة ليست لبنانية. وعلماً أيضاً أن استعادتها كانت ممكنة بالديبلوماسية. وعلماً ثالثاً أن كل المطلوب لاستعادتها كان “ورقة” سورية رسميّة موقّعة تؤكد لبنانيّتها وليس مجرد تصريح شفهي لمسؤول في الخارجية. وذلك كله يشير الى أن قراراً خارجياً اتُّخذ بإبقاء “حزب الله” على سلاحه وانتشاره. وأحد الأدلة على ذلك كان إعلانه في حينه أن تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ليس نهاية المقاومة. إذ ان لديها هدفاً آخر هو تحرير القرى اللبنانية السبع “الداخلة” ضمن الحدود الدولية لاسرائيل. ولكن هذا الاعلان خفُت ثم نُسيَ لأن المجتمع الدولي المهتم مباشرة بـ”حزب” المقاومة أرسل اشارات واضحة بأن ذلك غير مقبول، وبأن العمل لتحقيقه سيتسبَّب بحرب طاحنة اقليمياً.
وفي أي حال، يمكن من خلال الإشارة الى بدايات “حزب الله” معرفة أجندته السياسية وأهدافها. فتأسيسه، الذي قام به رسمياً لبنانيون همّهم تحرير أراضي لبنان من احتلال اسرائيل، كان تنفيذاً لقرار الجمهورية الاسلامية الايرانية، التي كان لديها مشروع إقليمي طموح يحتاج تنفيذه الى حزب لبناني قوي، يستند الى “شعب” لبناني كبير يمتلك الكثير من الدوافع للتعاون مع الأقربين والأبعدين من اجل تحرير مناطقه المحتلة، ووقف العدوان الاسرائيلي عن أبنائها ورفع الضيم الداخلي عن شعبه. أما ثباته واستمراره وتالياً نجاحه فما كان ممكناً لولا حصوله على بركة سوريا حافظ الأسد التي نظرت في البداية إلى دور إيران، حليفتها في الموضوع العراقي، في تأسيسه بكثير من الشك. فلبنان كان بالنسبة اليها حديقتها الخلفية التي لا تقبل أن يشاركها فيها أحد. وعبّرت عن شكّها في استنفار حليفها الشيعي حركة “امل”. وتقاتلت “الحركة” و”الحزب” قرابة ثلاث سنوات، وقُتل الآلاف وجُرح الآلاف، وفي النهاية اتفق الحليفان سوريا وايران على استراتيجيا اقليمية شاملة لتحالفهما، وعلى دور كل من “المتقاتليْن” فيها كما على دور شعبهما. وكان الدور مقاومة الاحتلال والتحرير وقد نجح. وكان ايضاً “إبقاء العين” على الوجود الفلسطيني المسلّح وغير المسلّح تلافياً لعودته إلى مقاومة غير مضبوطة وغير منسّقة مع سوريا وايران من شأنها ايذاء لبنان وهما معه. وكان ثالثاً، السعي وبواسطة المقاومة إلى تجميع الحلفاء من “شعوب” لبنانية اخرى. وكان رابعاً، احتواء الدولة والمؤسسات أو على الأقل التحول رقماً صعباً داخل لبنان باعتبار أن سوريا كانت كفيلة بالاحتواء المذكور. وفي هذا المجال لا بد من القول ان فلسطين كانت ولا تزال قضية أساسية لإيران الاسلامية. وقد قدمت مساعدات مهمة لها من خلال دعم “حزب الله” وحركات فلسطينية عدة. لكن فلسطين كانت ايضاً وربما لا تزال وسيلة تمكّنها من تنفيذ أجندتها الاقليمية الشاملة. أما سوريا فقدّمت من أجل فلسطين تضحيات كبيرة. لكنها وبعد استكمال وصايتها على لبنان أرادت الإفادة من مقاومته لاستعادة الجولان المحتل من اسرائيل بعد نجاحها في تحرير أراضٍ لبنانية منها، وخصوصاً بعدما تأكدت أن الحرب النظامية الرابحة معها لم تعد متيسّرة.
ماذا عن “الأخطاء الشائعة” ايضاً في الموضوع المفصّل اعلاه؟ وعن “الأخطاء الشائعة” عند شعب لبناني آخر يعتبر ان ما يقوم به هو ردّ على الحزب وسوريا وايران؟