IMLebanon

الإرهاب والأخلاق تربية وثقافة

 

 

إذا كان الإنسان مفطوراً على ردّة الفعل الناجمة أحياناً عن الظلم والاحتلال والعدوان وعاملَي الضعف والقوّة، تأتي التربية لتُنشئ لديه ممارسةً أخلاقية وحضارية، أو لتُنشئ ثقافة العدوان والقتل والإرهاب.

 

فالعدوان والاحتلال يولّدان ثقافة الانتقام، والقوّة تولّد ثقافة التوسّع والإنفلاش، لكن يوم يُمارس المظلوم المحتلةُ أرضه إرهاباً مماثلاً في عدوانه ويحتلّ شعوباً أخرى، يحجب في تصرّفاته صورتَه كضحية لهذا العدوان، ويُظهِر أنّه لم يتعلّم من الظلم اللاحق به إلّا في مدرسة القوّة ومنطقها وبسط النفوذ.

 

في حين أنّ شرائع الحقوق المتصلة بالقيمة الإنسانية ورقيِّها وضعَت ضوابط لهذه الثقافات كلّها، وحفظت حقوقَ الإنسان أيّاً كان دينه ولونه أو عرقه، وحرّمت العدوان والاحتلال وشرّعت المقاومة.

 

فإذا كان الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولَّدَ ردّات الفعل لدى المسلمين في العالم والشعب الفلسطيني بأشكاله وألوانه، كما حصل في سائر الاحتلالات والاستعمارات مثل الاحتلال السوري والأميركي والروسي… الداعشي والنصروي والحوثي، ويستوي في هذا الإطار قطعُ الرؤوس مع التفجير الإرهابي للسياسيين والعمليات الانتحارية بالأحزمة الناسفة، وقصف المواطنين العُزَّل بالبراميل المتفجّرة. وبين هذه وتلك، فإنّ أسباب الفعل وردّات الفعل تتعدّد حتى تتمخّض عن هذه التطوّرات انتصارات وهزائم وتتكوَّن مجتمعات جديدة مركّبة أو متغيّرة.

 

ويبقى الإنسان المُسالم أسيراً لهذه الأحداث، يموت ضحيّتها أو يعيش في سجنها، أو قد يفلتُ من تأثيرها، تبعاً للبيئة التي يختار العيشَ فيها أو ينشأ في ظلّها.

 

وهنا لا يمكن السلام أن يعمّ في ظلّ لغةِ السيف والدبّابة أو الصاروخ، ولا في ظلّ الذبح والقصف والتفجير والاحتلال والعدوان، بل من خلال احترام الثقافات والأديان ومعتقداتها، والبناء على الجانب الإيجابي منها والتأسيس على حدود الحرّية والركون إلى العدالة ملجأً لحماية الحقوق وصونِها، فلا يعود القلم الجارح سيفاً مصلتاً على معتقدات البعض، وبالتالي لا يشكّل سبباً لردّة الفعل، فلا نجعل من الدين سبباً لتصادم الشعوب، ولا يؤدّي التلطّي وراء الظلم في مكان لإلحاق الظلم في مكان آخر.

 

وكلّما تمَّ الدمج ما بين الدين والدولة باتت معقّدةً سُبلُ العيش أو التعايش بين المواطنين وبين إنسان وآخر، وازدادت بينهم ردّات الفعل بأشكاله، وكلّما جعلنا من قِيَم الإنسان وحقوقه مساحةً للّقاء والحوار والتعايش، ضمن الحفاظ على هذه القِيَم وعدم المسّ بحقوق الآخر في معتقداته الدينية وغير الدينية من فكر ورأي وموقف، زالت أسبابُ التصادم.

 

وإذا ما أخذنا هذه المعايير بالحِسبان فلا نجد القاتلَ يقف إلى جانب المقتول، وإنْ تغيَّرت مسارح الجريمة، ولا نجد مَن يدافع عن الحقوق والقيَم إلى جانب من يدعم الإرهاب.

 

إنّ قدَر البعض أن يكون ضحية الإرهاب والظلم والعدوان وضحيّة منطق القوّة وبسط النفوذ، فيما المنشود يبقى بعيداً كلّ البعد عن ابطال الدفاع عن الظلم، وهم كانوا مرّات ومرّات ظالمين ومعتَدين، في مقابل المدافعين عن الأنبياء والأديان وبعضُهم توسَّل ما لا يمكن أن تُبنى عليه ديانة أو نبُوَّة.