امر ليس بالعابر او المقطوع الجذور ان يعود الارهاب ليبسط ظله الثقيل الوطأة على الساحة اللبنانية وقت يقرر تنظيم “داعش” التمدد في العراق، والسعي الى خطوة تاريخية من خلال اسقاط حدود سايكس – بيكو التي رسمتها القوى العظمى في بدايات القرن الماضي.
فالواضح ان الارادة التي ألهبت الساحة العراقية شاءت ايضاً ان تبعث بشرر من جمرها الى الساحة اللبنانية، وان تحرمها الهدوء والاستقرار النسبي الذي عاشته منذ آخر انفجار على مدخل الهرمل قبل ما يقرب من ثلاثة اشهر وذلك انفاذاً لحسابات وانسجاماً مع اعتبارات عدة ابرزها:
– القول لمن يعنيهم الامر ان بامكان من بدأ اللعبة بسوريا وبدّد بأس نظامها المتصف بالشراسة والحديدية، ثم مد اصابعه الى الساحة العراقية ليبدد اطمئنان القيمين عليها الى انها صارت واسطة عقد محور الممانعة، ويقصم ظهر الهلال الذي طال الحديث عنه، بامكانه ان يأخذ الساحة اللبنانية رهينة في طريقه عبر بعض الانتحاريين الموجود منهم لديه وفرة وفيرة.
– يدرك الارهاب عينه ومن يقف وراءه ان الوضع في الساحة اللبنانية يقيم على تمايز وفرادة يحولان دون تغيير معادلاته، وان قلب المشهد فيه أمر يكاد يكون مستحيلاً لأسباب عدة ابرزها متانة المحور المضاد وثقله الوازن، ولكن المطلوب بالنسبة اليه يتعدى ذلك الفعل ليكتفي بحدود اغراقها واغراق مكوناتها وخصوصا معسكر خصومه وتحديداً “حزب الله” في دوامة المخاوف والهواجس.
– ان قرار اعادة الساحة اللبنانية الى دائرة التوتر وعين العصف الامني هو بمثابة رسالة عنوانها العريض الالحاق القسري لساحة بيروت بساحة العراق بشكل او بآخر بناء على قاعدة الاوعية المتصلة او الاواني المستطرقة، بحيث لا يترك اصحاب قرار الاشغال والاستغراق للطرف الآخر فرصة التقاط الانفاس او الشعور بالربح او تسجيل نقاط في ساحة ما من الساحات الثلاث التي تقيم على اعتقاد فحواه انها مجاله الحيوي او ملعبه الفسيح المريح.
وبناء على كل ما تقدم فان دوائر القرار في قوى 8 آذار و”حزب الله” على وجه التحديد تستشرف من التطورات الامنية التي سجلت منذ الجمعة الماضي وحتى ليل اول من امس الآتي:
1- ان ثمة قراراً يقضي بالعود على بدء وتسفيه كل ما قيل سابقاً عن قدرة محلية امسكت بزمام الأمور وسحبت لبنان من ضربات الارهاب الموجعة والمتتالية اثر تأليف حكومة “المصلحة الوطنية”.
2- واستتباعاً فإن ما حصل بشكل متسارع ومتقارب في الساحة اللبنانية هو بمثابة رسالة لمن يعنيهم الامر عنوانها انه ممنوع فصل الساحات بعضها عن بعض، أو على الاقل محرّم النأي بالساحة اللبنانية عن الساحات المجاورة، وان كل المساعي التي بذلت في السابق لتحقيق هذه الغاية وكل الرهانات التي بنيت على هذا الاعتقاد هي مجرد اوهام.
3- ان ثمة رغبة أكيدة لدى الجهة التي عادت لتضع الحراب على جدول الاعمال، بتسفيه مقولة ان الصراع في سوريا أوشك أن يضع أوزاره وان “الثورة” هناك في حال تراجع وانكماش، وهي ببصماتها الواضحة في التفجيرين الاخيرين في لبنان تريد التأكيد أن منوال الامور ما زال ينسج على الوتيرة نفسها رغم دخول الحرب في سوريا عامها الرابع، وان الذين يراهنون على “انقطاع نفس” الثائرين المنتفضين، هم واهمون، وانهم بالتالي ما زالوا في ذروة اندفاعتهم بدليل انهم يسرحون ويمرحون ويحاربون أقوى نظامين في ساحتين متجاورتين ويوشكان ان يحققا بين اجزائهما جمعاً ولحمة لم تحصل منذ ما يقرب من 98 عاماً على وجه التحديد.
ان مؤشر اعمال التخريب المتنقلة يبقى محدوداً في ظل الاستنفار الامني الذي بلغ درجاته القصوى وأعطى ثماره فعلياً على نحو أظهر الارهابيين في حالات ارباك. لكن هذه المسألة على محدوديتها، ستظل مرتبطة بمسار الاوضاع في الساحة العراقية والذي بات يعتمد في رأيها وتحليلها على ثلاثة أمور منتظرةهي:
– قدرة النظام العراقي ومن لف لفه على التماسك والصمود ومن ثم الانتقال الى حال الهجوم لاسترداد ما فقده، أو بمعنى آخر قدرة العراقيين على الخروج من حال الاستعراض التي يتقنونها بجدارة الى حال الفعل.
– قدرة الايراني على امتصاص الضربة التي وجهت اليه والرد عليها على غرار ما يفعله دوماً.
– رغبة الجانب الاميركي وجديته في تحويل دعمه لحليفه النظام العراقي من دعم معنوي الى دعم عملي فاعل ومؤثر.
الدوائر عينها تعتقد جازمة ان الداعمين لتنظيم “داعش” هدفهم ليس الا تحسين شروطهم واوراقهم ليفاوضوا خصومهم من موقع الند القوي وان ليس بمقدورهم تغيير المعادلات التي رسخت بعد العجز في سوريا، ولكن الثابت ان ذلك يعني بشكل أو بآخر فتح الابواب امام فصول عنف ودم في الساحات الثلاث، ومن بينها بطبيعة الحال الساحة اللبنانية.