IMLebanon

الإستحقاق… عَودٌ إلى المواصفات

يؤكّد عدد من السفراء حصول تقدّم نوعيّ في ملفّ الإستحقاق الرئاسي. هناك اهتمام ملحوظ من بعض الدول المهتمّة أو المؤثّرة، وحركة اجتماعات واتّصالات كالتي تُعقَد في باريس وخارجها، يُقابلها حذَر شديد محلّياً، وشعور سائد بأنّ هذه الحركة لن تنتج بركة، أقلّه في المقبل من الأيام، ولا بدّ من حدث مفاجئ أو تطوّر غير متوقّع، لدفع النوّاب إلى ساحة النجمة، وانتخاب رئيس.

يؤكِّد ممثّلو بعض الدول أنّ المرحلة الراهنة هي مرحلة البحث في المواصفات: «دخلنا مرحلة البحث عن المؤهّلات، وعن الشخصيّة المحوريّة القادرة على الإمساك بدَفّة القيادة، في وقتٍ يواجه لبنان إعصاراً، أو مجموعة من الأعاصير والأنواء العاتية، نتيجة التحوّلات الكبرى في الشرق الأوسط. لا أحد يستطيع أن يجزم بما سيكون عليه المستقبل، وكيف ستتطوّر الأمور، لكن في المقابل لا بدّ من الإنطلاق من فرَضيّتين، الأولى أنّ لبنان لا يواجه وحدَه خطراً وجوديّاً بل معظم الدول المحيطة. والثانية: هناك ملفّات مفتوحة، منها: النزوح السوري، اللجوء الفلسطيني، الإرهاب، أزمة النظام والدستور والصلاحيات، والأزمات المتفرّعة الإقتصاديّة منها، والمالية، والمعيشيّة، والاجتماعيّة. هذا القدر من التحدّيات يتطلب وجود شخصيّة توحي بالثقة، صاحبة رصيد اختزنَته من الماضي، وقادرة على مخاطبة الجميع من موقع المصلحة العامة».

ويربط بعض السفراء ما بين مجموعة من الحلقات المفكّكة: «الحراك المتّصل بالإستحقاق يتجدَّد على خلفيّة التطوّرات الميدانية في العراق وسوريا. أمّا في لبنان، فقد تحقَّقت إنجازات أمنيّة ميدانيّة، يُفترض أن يوازيها إنجازات سياسيّة. من يساعد في الأمن يساعد في السياسة، والتطورات المتسارعة تستدعي انتخابَ رئيس للجمهوريّة في أسرع وقت ممكن لتحصين الساحة والحدّ من التداعيات».

وما تحقَّق ميدانيّاً لا يُستهان به، فنجاح الضربات الإستباقيّة يؤكّد أمرَين: الثقة الدوليّة بالمؤسّسة العسكريّة، والتعاون معها مخابراتيّاً لمباغتة الخلايا الناشطة. هناك جهد منسّق وتصميم على نشر مناخ من الإستقرار بحدِّه الأدنى عن طريق إقامة مظلّة واقية تتولّاها المجموعة الدوليّة لدعم لبنان، وهذه الأخيرة وجدَت الفرصة مؤاتية لتأكيد مصداقيّتها، إذ لا يكفي القول إنّ الأمن والإستقرار خط أحمر، بل يجب إقران القول بالفعل.

وفي معزل عن متانة هذا الخط، فإنّ لونَه الأحمر مَدعاة ارتياب، بمقدار ما هو مدعاة ارتياح. يرمز إلى الدم المُسال في كلّ من العراق وسوريا، والعديد من دول المنطقة، بمقدار ما يرمز إلى الخطوط التي لا يمكن تجاوزها. يُستخدم القلم الأحمر عادةً للتصحيح، ووضع العلامة النهائيّة بعد الامتحان، أمّا الحراك الديبلوماسي والمخابراتي فهدفه ألّا تكون العلامة لاغية».

المهتمون بإعادة رسم خرائط دول المنطقة يركّزون على التفاصيل، وهذه مربكة للجميع، «الداعشيّة» ليست قضاءً وقدَراً، بل استثمارٌ مخابراتيّ دوليّ بامتياز، ونقطة الضعف الوحيدة أن تخرج الأمور عن مسارها وتؤدّي إلى مضاعفات غير محسوبة، لأنّ «الداعشيّة» ليست تنظيماً وسلاحاً، بل ثقافة وفكر ونهج وعقيدة، وبيئات حاضنة ومنابع تمويل لا تجفّ، وهذه ليست حِكراً على حكومات أو أنظمة، بمقدار ما هي من تبرّعات سخيّة متدفّقة من أفراد وجماعات مؤمنة بهذا الفكر، وهنا مكمن الخطورة.

لقد اكتشفَ الغرب أخيراً أنّ «الخلايا السرطانيّة» لم تعُد متغلغلة في البيئة العربيّة الإسلاميّة، بل انتقلَت العدوى إلى مجتمعاته، وتمّ اكتشاف خلايا نائمة تُحرّكها عناصر عادت لتَوِّها من سوريا أو العراق وقد اكتسبَت خبرة واسعة في تعميم الفوضى المسلّحة. هذا الغرب الذي يخاف اليوم على نفسِه من نفسِه، ويمسك جيّداً بالقلم الأحمر، ويُمعن في خريطة الشرق الأوسط تقسيماً وشرذمة، يعرف أنّ مصالحه تقتضي انتخاب رئيس، إيماناً منه بأنّ لبنان أكبر من أن يُبلع، وأصغر من أن يُقسّم؟!».