IMLebanon

الإشكال العقاري الماروني ـ الشيعي من أوّل الحدث حتى لاسا

 

أن تتنازع أوقاف الطوائف الدينية فيما بينها على عقارات، أو يتنازع وقف من طائفة على ملكية عقار مع أشخاص من الطائفة الأخرى، فهذا يفترض أن يكون من طبيعة الأشياء في أي مجتمع متعدّد دينيّاً تشغل المساحة الوقْفية ركناً أساسيّاً من مساحته العقاريّة.

لكن ما هو حادثٌ الآن من تنازع على عقار في بلدة لاسا فيه ما يُضافُ على ذلك. فيه يُستحضر المركّب الثلاثيّ للمشروع الفئوي الهيمنيّ الذي يقوده «حزب الله»: الأيديولوجيا، التعبئة، السلاح.

ما وجه الصلة بين تنازع على عقار بين الكنيسة المارونية وبين فرد من الطائفة الشيعية من جهة، وبين مترتبات الأيديولوجيا من جهة أخرى؟ أليس في ذلك اسقاطٌ اعتباطيّ لا يقبله عاقل ولا يسنده واقع؟

نعم، سيكون التذكير بالعامل الأيديولوجي اعتباطياً، لو أنّ «حزب الله» لم يرث ويستكمل النظرة التي تسعى لمناقضة النظرة الأيديولوجية المارونية المتمركزة حول جبل لبنان، بواحدة أخرى، مشتّتة بين انشاء تمركز كياني آخر، متمركز حول جبل عامل والجنوب، وبين تمركز تعبوي حول الضاحية الجنوبية، وبين موال «لم شمل« الجغرافيا والديموغرافيا الشيعيتين اللبنانيتين من خلال الوصل بين المنفصل جغرافياً، من بقاع شمالي وجنوب وضاحية جنوبية. و»لم الشمل» هذا، أول ما يستدعي، اعادة انشاء سردية حول «الحكم الشيعي في جبل لبنان» قبل القضاء عليه على يد المماليك. وهكذا، يصير الموارنة بموجب هذه السردية، بمثابة المستفيدين موضوعياً من اجلاء الشيعة عن الجبل اللبناني، حتى اذا أضيفت سردية «دولة بني عمار» في طرابلس، صارت «المقاومة» احيائية لـ»لبنان» آخر غير الذي نعرف.

هذه النظرة الأيديولوجية ليس لها علاقة عضوية بولاية الفقيه والأيديولوجيا الخمينية وان كانت تتماشى معهما، وهي ترتكز كأي نظرة من هذا النوع على معطيات تاريخية، ولو جاءت مثقلة بالأساطير، وموظّفة سياسيّاً بما من شأنه تأجيج الرُهاب بين الطوائف. التصريف الميداني قضى بتوسيع شبكة التواصل بين القرى الشيعية في قضاء جبيل وبين البقاع الشمالي. فاذا أسند ذلك بالانتشار الأمني والمسلّح، وبالاستفادة من الانقسام السياسي المسيحي المزمن، وكذلك من تمركز المسيحيين الديموغرافي في الضواحي الشرقية لبيروت، وتحول قراهم في بلاد جبيل تحديداً الى اصطيافية فحسب، عندها، تصبح النظرة الأيديولوجية التمدّدية ذات حيز واقعي، يتضاعف اذا جمعنا بين ربط القرى الشيعية الجبيلية بالبقاع الشمالي مواصلاتياً وأمنياً، وبين الإشكال العقاري – الديموغرافي الآخر الذي يطرح نفسه ما بين الضاحية الجنوبية والمناطق ذات الكثافة المسيحية التي تحيط بها في قضاء بعبدا، وتضاف اليه مسألة الجيوب المتنية والكسروانية.

بالنتيجة، ثمة اشكال جغرافي طائفي حقيقي، لا يتفرع من الانقسام بين الثامن والرابع عشر من آذار، وليس بالمستطاع أن يطمسه «تفاهم»، ولا أن يقلّل من شأنه التنبيه الى مخاطر أخرى تتهدّد المسيحيين في المشرق. قد يكون الجدل مفتوحاً، لجهة معرفة من الذي ينازع المسيحيين في مواقع الدولة ومفاتيحها أكثر من الآخر، أما من الجهة العقارية، الجغرافية – الديموغرافية، فإن الأمر جليّ ليس بالمستطاع ستره: ثمّة إشكال ماروني – شيعي من أول الحدث حتى لاسا، وهذا الإشكال له حمولة خطرة كيانياً، وتحديداً لأن الاحتكام للقوانين محدود في هذا الشأن، ولأنه اشكال لا يتفرّع عن أي تناقض سياسي آخر، وان كان يتفاعل مع غيره من التناقضات والأزمات.

طبعاً، ليست النظرة الأيديولوجية للموضوع حكراً على «حزب الله» وحده، فالنظرة الأيديولوجية النوستالجية الى «متصرفية الجبل اللبناني» وتلك النوستالجية الى «لبنان ما قبل الحرب» لا تزال تعترض سبيل المكاشفة الصريحة عند المسيحيين، وتحديداً الموارنة، هذه الطائفة التي تختلف عن باقي طوائف الشرق المسيحية في أن قسماً رئيسياً من عائلاتها اليوم مرّ بفترات من التشيّع والتأسلم قبل بضعة قرون من تاريخه، وهو ما لا يزال يشهد عليه اسم الكثير من هذه العائلات. أي أنها طائفة حاولت أن تسبح تاريخياً بعكس التيار (وتشبه بذلك حال الكنيسة الكاثوليكية في صقلية وايبيريا)، أولاً بتمورن عائلات من الدروز والشيعة، وثانياً بتحقيق الطفرة الديموغرافية في القرن التاسع عشر، قبل أن يتبين لاحقاً أنّ السباق الديموغرافي لا يضمنه أحد (في بدايات لبنان الكبير ما كان عدد الشيعة المسجلين يزيد كثيراً عن عدد الروم الأرثوذكس)، كما أن الطفرة الديموغرافية لا تضمن لوحدها، التوسّع الموازي لها في المكان. فمتى نطرق المشاكل العميقة بين مكوناتنا المختلفة بجديّة؟