في زمن دخول السياسة حال الغيبوبة عن الفعل، وحكومة لم تكد تبصر النور حتى دخلت في نوم سريري، ومجلس نواب لا تبدو عليه أيضاً مؤشرات اليقظة، يسكن الشغور الرئاسي في خواء قصر بعبدا. ولعل لهذه الحال المرضية ظواهر عدوى لا تسمح لنا بمناقشة الموضوعات الاساسية في البلاد، كالأمن واللاجئين وسلسلة الرتب والرواتب والقوانين الجديدة المطعون بها، أو التي يسري مفعولها كقانون الايجارات او غيره، رغم كونها على جانب كبير من الأهمية والالحاح. والعدوى اياها ضربت الحياة السياسية التي باتت كأنها غير موجودة. في ظل هذا الوضع المَرَضي، لفتني اهتمام القارئ اللبناني خصوصاً، والعربي عموماً، بوسائل التواصل الاجتماعية والمواقع الالكترونية، فقارئ الخبر العاجل، الذي تكفيه فقط “كبسة زرّ” لكي تصله المعلومة، مأخوذ بالسرعة ويتناول الأخبار من دون تدقيق او تحليل، وفي شكل ببغائي أحياناً، مما يجعله مجرد سلعة تحركه وسائل الاعلام والتواصل، فتأسره عبر عناوين جاذبة ومثيرة، تستدرجه لقراءتها، رغم كون معظم الاخبار سخيفاً ومن دون محتوى. السبب؟ انه في عصر السرعة، لا وقت لكتابة معمقة، والجميع في سباق لاهث وراء الخبر، بل السبق الصحافي على حساب النوعية والصدقية والحرفية المهنية.
المهم جذب القارئ والمشاهد والمستمع، لان تكديس اعداد المشاهدين والقراء يجتذب بدوره المعلنين الى المساحات رهن الطلب. وبهذه الطريقة تتحول الصحافة شيئاً فشيئاً خزاناً للمعلومات والقصص والكلمات والتحقيقات السريعة الخفيفة الفارغة من كل مضمون، والتي تضاعف السطحية لدى الناس. والمحزن، أن من لا يدخل في صلب هذه اللعبة يصبح خارج العصر.
الخبر العاجل، والخبر الغريب، والخبر المثير هي المطلوبة، ولننسَ دور الاعلام الرصين، أي دور المحاسب والمراقب والشاهد وصانع الثورات، وحامي حركات التحررّ، وصاحبة الجلالة والسلطة الرابعة!
وإذا فقد الاعلام هذا الدور فسيصبح ايضاً كالسياسة بلا مضمون او مستوى، فالى أين نحن متجهون؟ صحيح ان الصحافة في العالم أجمع تمضي نحو السبق، لكن علينا ألا نبالغ في استنساخ هذا الخارج ، كعادتنا في استيراد كل ما هو مصطنع، وربما سيىء. ولنسأل أنفسنا أين اصبح الاعلام الذي كان ذا قضية؟ أين الصحافيون الذين كانوا سباقين في محاربة جمود الحكومة وشلل السلطة والمجلس والفراغ؟
أين السلطة الرابعة لترفع صوتها وسوطها في وجه الأمن والسياسة والاقتصاد؟ هل باتت مشغولة ومنهمكة وغارقة في تجارة الخبر؟ الاعلام يحتاج الى المال لكي يكمل مسيرته، (من هنا أهمية المعلنين والمساهمين) لكنه يحتاج ايضاً الى قضية بات يفتقدها.
فحذار ان ننزلق بإعلامنا أكثر لنصبح إعلام الفضائح والخبر العاجل والمعلومات الضحلة، فنغتال صحافتنا بأيدينا!