مَن يحاسب مَن : وزير التربية أم «هيئة التنسيق»؟
«الإفادات» تهدّد المدرسة الرسمية والجامعة الوطنية!
عماد الزغبي
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السادس والثمانين على التوالي.
ومن رحم الفراغ المتمادي، وقعت الواقعة، وأعلن وزير التربية الياس بوصعب قراره المُغطّى من مجلس الوزراء: «إعطاء حاملي وثائق القيد في الامتحانات الرسمية العامة والمهنية إفادة تثبت قيدهم في أي من هذه الامتحانات وتبرز إلى الجامعات من أجل الانتساب إليها».
وقعت الواقعة، ولم تتراجع «هيئة التنسيق» عن قرارها بمقاطعة أسس التصحيح وتصحيح المسابقات الرسمية.
وقعت الواقعة، ونال الطالب المتفوق والكسول، أو كل من يحلم بشهادة، إفادة واحدة، لا تميّز بينهم، وبالتالي ضاعت أحلام المتفوّقين بمنح دراسية في جامعات لبنان والخارج.
العناد والمكابرة سمتان بارزتان في مفاوضات الشهرين الماضيين. الوزير الإصلاحي حقق رقماً قياسياً في الموقف… وعكسه وبالتلويح «بخطوات غير مسبوقة» وصولاً الى الإفادات، وفي المقابل، قررت «هيئة التنسيق» أخذ طلاب الشهادات الرسمية رهينة ولم تتراجع قيد أنملة عن خطوات أقرّتها برغم نصائح كثيرة تلقتها، خصوصا أن جولاتها وصولاتها على الكتل النيابية والسياسية، بيّنت الواضح أكثر من الوضوح بأن لا سلسلة رتب ورواتب في الأفق القريب.
في المحصلة، كان التعليم الرسمي هو المتضرر الأكبر تربوياً ووطنياً، والإفادات باتت تحصيل حاصل بدءاً من يوم غد، وآلاف الطلاب ممن لم تكن الأبواب الجامعية مفتوحة أمامهم، جرّاء كسلهم في الدراسة، بدأوا يعدون العدة للتسجيل في الجامعات، جنباً إلى جنب طلاب متفوقين وصلوا لياليهم بنهاراتهم تحصيلاً للعلم والمعرفة وتحصيناً لمستقبلهم ومستقبل بلدهم.
خسائر التعليم الرسمي ستبدأ في الظهور مع عمليات التسجيل في الشهر المقبل: نحو 62 ألف تلميذ سيلتحقون في الصف الأول ثانوي، بينهم أكثر من عشرين ألفا، لم يكن يتوقع لهم أن يرفعوا إلى الصف الأعلى. ستلـزم المدرسة الرسمية بقبول هؤلاء التلامذة، لأن المدارس الخاصة لن تقبل بهم، مثلما ستحمل المدرسـة الرسمية، عبئا إضافيا هم التلامذة السوريون الذين «نجحوا» بالإفادات، وأغلبيتهم لن تجد ملاذا إلا في المدرسة الرسمية، ما عدا أبناء المتمولين والأغنياء، وهم قلة قليلة.
لن تعاني المدرسة الرسمية وحدها، بل ومعها «الجامعة اللبنانية»، من الأعداد الكبيرة التي ستفد إليها، وتحديدا إلى الكليات النظرية، التي لا تحتاج إلى امتحانات دخول، أما الجامعات الخاصة ـ الدكاكين، فستكون المستفيد الأكبر من الإفادات والتدمير الممنهج للتعليم الرسمي.
خسرت «هيئة التنسيق» ورقتها، بمجرد لجوء وزير التربية المتسرّع الى ورقة الإفادات. حجة الأخير أن الطالب لم يعد قادراً على الانتظار… والمدارس الخاصة رحّبت بهذه الخطوة.
هزيمة «هيئة التنسيق» في هذه الجولة، انعكست على الطلاب، و«انتصار» وزير التربية بقراره، انعكس على الطلاب أيضا. خسرت «الهيئة» معركة تصحيح رواتبها، وتتحمل هي جزءا من النتيجة، وخسر الوزير الإصلاحي سمعة سيحمل تبعاتها تاريخياً، أما الخاسر الأكبر، فهو كل من كان يحلم بشهادة رسمية تؤهله خوض معترك المستقبل بكفاءته لا بمجرد ختم.
لم يعد مهمّا الحديث عن عناد ومكابرة هذا الطرف أو ذاك، فالطبقة السياسية الحاكمة التي رمت «هيئة التنسيق» في الشارع لثلاث سنوات تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عما آلت إليه الأمور، وما يمكن أن يترتب على مستقبل العام الدراسي الجديد.
المأخذ الأساس على «هيئة التنسيق» أنها تتصرف وفق قاعدة «أنا ومن بعدي الطوفان». فهي تنسحب من أية مسؤولية أخلاقية عن الطلاب الذين صار مستقبلهم «مادة نضالية»، وهذا الواقع يستدعي منها مراجعة كل مسار تحركها وصولا الى اعادة تصحيح صورتها. يقتضي ذلك منها أن تبدي حرصها على الشهادة الرسمية كخط دفاع أخير عن التعليم الرسمي. بذلك، يمكن أن تتمايز عن طبقة سياسية تتشدق ليل نهار بالحرص على التعليم الرسمي بينما تفعل كل ما بوسعها لتدميره لمصلحة التعليم الخاص.
خسرت «الهيئة» السلسلة الموعودة، برغم عدم مجادلتها بأحقية مطالبها وحقوقها وبينها حق الاضراب والتظاهر والاعتصام، ولكنها خسرت امتحان المصداقية، وساهمت، ولو بغير قصدها، في تدهور مستوى الشهادة الرسمية عبر تخريج طلاب ليسوا أهلا للتعليم العالي… الا اذا صارت وظيفتها ضخ «زبائن» جدد للجامعات ـ الدكاكين.
بدت «هيئة التنسيق» عملياً، أكثر ارتهاناً للقوى السياسية، على عكس ما تحاول الإيحاء به بأنها تعمل نقابياً، وأن الحزبيين فيها صاروا ضد أحزابهم. اذا صح ذلك، فان لبنان مقبل على صحوة ديموقراطية وكتلة عابرة للطوائف والمذاهب والمعسكرات الآذارية، لكن الأصح، أن بصمات السياسيين وأوزانهم واضحة للعيان، ولم يكن تحرك «الهيئة» وتماسكها بمعزل عن حروب السياسيين بعناوين «السلسلة» وفتح أبواب المجلس.
وهنا، الا يصح طرح السؤال: ماذا لو بادرت «هيئة التنسيق» الى الاعتصام على أدراج مجلسي النواب والوزراء وأمام كل مكاتب الوزراء والمؤسسات الرسمية، ألم يكن ذلك أجدى وأنفع لها ولجمهورها الذي هو كل الجمهور اللبناني؟
هل ثمة فرصة للانقاذ؟
وعلى الرغم من القول إن الأوان قد فات، إلا أنه انطلاقا من الحرص على الشهادة الرسمية، ومصلحة الطلاب والتعليم الرسمي، تقتضي مناشدة وزير التربية الرجوع عن قراره «غير التربوي» وباعترافه، وكذلك دعوة «هيئة التنسيق» لتعيد النظر بموقفها، خصوصا أنه سبق للطرفين، أن تراجعا مرات عدة عن مواقفهم لاعتبارات مختلفة. فإذا كانت الإفادات مسألة غير تربوية وخطيئة، فالعناد هو جريمة بحق الطلاب… وبين الخطيئة والجريمة، يصبح الرجوع عن الخطأ فضيلة، ولعل البداية تكون بتصحيح المسابقات، وتراجع وزير التربية عن قراره، ولتبق الساحة مفتوحة لخوض معركة استعادة الحقوق.
غير أن وزير التربية الياس بوصعب بدا وكأنه صار في مقلب آخر. فقد أوضح لـ«السفير» أن لا عودة نهائيا عن قرار اعطاء الافادات وهو بات ساري المفعول، وأضاف: لقد اتخذنا القرار، والطلاب ليسوا لعبة، ولقد راعيت «هيئة التنسيق» لكن في النهاية كان لا بد من اتخاذ القرار وتحمّل المسؤولية، وأوضح أنه راض عن القرار الذي اتخذه بإعطاء الإفادات «لأنه كان الخيار الوحيد والأمثل للحفاظ على مصلحة الطلاب، بعدما تبلغت من «هيئة التنسيق» قرار رفض التصحيح نهائيا»، مشيراً الى أنه سأل «هيئة التنسيق» عما اذا كانت تريد انقاذ الشهادة الرسمية ام إعطاء الإفادات للطلاب، فاختاروا الإفادة على التصحيح، وكشف أن ثلاثة اعضاء من «الهيئة» اكدوا له شخصيا «ان كرامتهم الشخصية لا تسمح لهم بالعودة الى التصحيح».
وماذا اذا قررت «هيئة التنسيق» العودة الى تصحيح الامتحانات الرسمية، أجاب بوصعب «حتى لو قرروا العودة الى التصحيح، الوقت أصبح ضيقا، هم يحتاجون الى ثلاثة اسابيع على الاقل، فمتى في هذه الحالة سنجري الدورة الثانية، ثم من يضمن كيف ستتم عملية التصحيح».
واشار بوصعب الى ان لجنة التربية النيابية ستعقد جلسة الثلاثاء المقبل بحضوره، للبحث في كيفية قوننة قرار الافادات، «وثمة اتفاق بين رئيس المجلس النيابي ورئيس لجنة التربية النيابية بطرح الموضوع في اول جلسة تشريعية يعقدها مجلس النواب».
في المقابل، قال عضو «هيئة التنسيق النقابية» حنا غريب لـ«السفير»: ما زلنا على توصيتنا وأولوياتنا التي هي تحقيق الحقوق وانقاذ الشهادة على قاعدة ضمان الحقوق.
وأشار الى أن مجالس الهيئات ستبحث موقف وزير التربية لاتخاذ القرار في شأنه وتحديد الخطوات اللاحقة، ورفض تحميل «هيئة التنسيق» المسؤولية، مؤكدا ان من يجب تحميله المسؤولية هو وزير التربية والحكومة مجتمعة التي غطت قراره، وبالتالي هؤلاء يتحملون النتائج السلبية لقرار اعطاء الافادة الذي هو قرار غير تربوي ويضرب التربية والتعليم في لبنان ويضرب «هيئة التنسيق».
ولفت الانتباه الى ان قرار مقاطعة التصحيح جاء بطلب من وزير التربية، وتم اعلانه من مكتب الوزير في وزارة التربية بحضور النائب علي بزي.
ورداً على سؤال قال غريب: نحن لم نكن نتسلى في السنوات الثلاث الماضية، وسنبقى متمسكين بحقوقنا، وسنعرض اليوم على الاساتذة ما جرى معنا وسنستعرض التحرك واشكاله.