IMLebanon

الإنتماءليس وجهة نظر!

تثبت الاحداث، يوماً بعد يوم، ان قسماً كبيراً من القيادات السياسية، وحتى من اللبنانيين العاديين، مصاب بوباء، مثل وباء «إيبولا»، لا دواء له حتى الساعة، هو وباء نقص المناعة الوطنية، الذي يسبب اضطراباً لديهم في مفهوم الانتماء، فبعضهم يعتبر ان الانتماء الى الطائفة هو الاصّح والاولى، وبعضهم يضيّق حجم الانتماء ليصبح في حجم المذهب، او الشخص، او الحزب، او العشيرة، او العائلة، وقد يتذكر هؤلاء في مناسبات محددة، المعنى الحقيقي للانتماء، فيعلنون انتماءهم الى لبنان الوطن والدولة والعيش الواحد، ولكن ذاكرتهم الضعيفة، تعود فتشدهّم الى الانتماءات الاخرى المنتشرة حاليا على مساحة الوطن كلّه، ولو بنسب مختلفة بين منطقة واخرى، وطائفة واخرى ولذلك فان الفوضى الشاملة التي تتحكّم بمفاصل الدولة ومؤسساتها ومرافقها، هي النتيجة الحتمية لعدم توافق اللبنانيين، على المفهوم الحقيقي للانتماء، الذي يختصر بأن مصلحة لبنان الوطن، هي فوق كل اعتبار، هذا المفهوم، اذا طبّق واعتمد، يكن الباب السحري، لحلّ جميع القضايا الخلافية العالقة، التي تعطّل كل شيء في لبنان، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية، على اعتبار ان الفراغ في رئاسة الجمهورية تحوّل الى نقطة زيت حملت الفراغ الى مجلس النواب والحكومة والسياسة والتشريع والثقافة والتعليم والنقابات والامن والمؤسسات والادارات العامة، حتى ان الاتفاق على كيفية حماية لبنان في وجه شرّين داهمين، هما اسرائيل والمنظمات الارهابية التكفيرية، مصاب بمرض نقص المناعة الوطنية.

في فترة الوصاية السورية على لبنان، تعطّلت الحريات العامة، وحجّمت مؤسسات الدولة، وانتقصت السيادة والاستقلال، ولكن الفراغ القاتل لم يشلّ الدولة والبلد والمؤسسات، كما هو حاصل اليوم، بما يعني ان بعض الداخل غير القادر على فرض مواقفه ورغباته، كما كان يفعل الوصي السوري، يعتمد منذ العام 2005 سياسة الفراغ والتعطيل، اسلوباً مدمّراً لتحقيق رغباته وطموحاته واهدافه، بما يتنافى مع الشعور بالمسؤولية الوطنية والانتماء الحقيقي الى لبنان.

* * * *

في السياق هذا، ذاته، برزت أمس ثلاثة مواقف، يمكن وضع اثنين منها في خانة التحذير من مغبّة استمرار الفراغ الرئاسي، والموقف الثالث، في خانة السعي الحميد المشكور لفتح ثغرة في حائط الازمات الكثيرة المسدود

مرّة جديدة ترتفع نبرة غضب البطريرك بشارة الراعي، ليعلن امام زواره في الديمان رفضه اي عمل او اي تشريع، قبل انتخاب رئيس للجمهورية، ويعتبر تعطيل هذا الاستحقاق، «وصمة عار في حياتنا الوطنية وكرامتنا» كما ان السناتور الاميركي من اصل لبناني داريل عيسى، ابلغ المسؤولين اللبنانيين ان بلاده ستقدّم مساعدة عسكرية للجيش اللبناني، ولكنه اشار الى وجوب انتخاب رئيس للجمهورية، بما يساعد على انتظام عمل المؤسسات، وكأنه يربط المساعدات بانتخاب الرئيس، المعني الاول بالأمر.

اما في ما يتعلق بالسعي الحميد لتحقيق اختراق ما في جدار الازمات الكثيرة، لا بدّ من التنويه بحراك النائب وليد جنبلاط في هذا الاتجاه ولقاءاته مع السيد حسن نصرالله، والعماد ميشال عون، والنائب سليمان فرنجيه، على ان يستكمل مساعيه ولقاءاته مع الفاعليات الاخرى التي لن تقتصر على القيادات السياسية، بل ستتعداها الى فاعليات روحية واقتصادية، وهذا الحراك ان دلّ على شيء، فعلى شعور حقيقي بالمخاطر التي تهدد لبنان، وبخوف واضح على لبنان في حال دهمته الاخطار الخارجية، وقياداته في الداخل غير متفقة حتى على خطر عدم انتخاب رئيس للجمهورية.. انه موقف كبير يسجل لجنبلاط.