IMLebanon

الإنقاذ… الغائب

ـ 1 ـ

كل هذا الموت لترسم خريطة جديدة لواقع جديد، رغم أن كل أطرافه قديمة، ويفخرون بقدراتهم على اللعب والتحايل ويتحمّلون ببرودة قاسية المجازر وجرائم الإبادة.

المبادرة المصرية أقرّت بموقع مصر في رعاية «الوساطة» لا باعتبارها طرفاً قائداً أو محورياً بمنطق يكرّس لتوجهات ما بعد كامب ديفيد لكن باتجاه لا يشغله «قيادة الأمة» ولا «الدفاع عن العروبة»… اتجاه جديد لا تعنيه الصور القديمة عن «الشقيقة الكبرى» وإنما يستخدم الصور نفسها لترسيخ مفاهيم قيلت على استحياء أو في خطاب مضمَر منذ السادات عندما استضاف مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين غابت عنها منظمة التحرير… وحضر اتفاق ضمني أن تنوب مصر (ليس بتوكيل ولكن بمنطق التاريخ العاطفي) عن الفلسطينيين في مواجهة جموح مناحم بيغين.

في الأيام الماضية غابت إسرائيل عن التفاوض بينما حضر وفد فلسطيني (من حماس والجهاد الإسلامي) وهنا تغيّرت المواقع بناء على اتفاق ضمني (بين مصر وإسرائيل) على معاداة حماس.

السيسي هنا ليس لديه ميراث ثقيل يحكمه (ولا يعبأ كثيراً بوضعه في قالب ناصر الجديد…)، ويمكنه التصرف بعيداً عن العاطفة والتضامن «الأخوي» وإنما من موقع «وسيط» لديه مصلحة في تعديل خريطة التوازن على حدوده.

.. وبهذا الاتجاه فرض السيسي خروج قطر وتركيا من التفاوض، كما أنه حجّم انفراد حماس باعتبارها ممثلاً منفرداً عن غزة، وأكد سيادة مصر على معبر رفح من الجانبين (.. فالشرط المصري يتمسّك بخضوع المعبر للسلطة الفلسطينية وليس لحماس..)..

وربما تنجح أو تنتصر المبادرة المصرية.. لكن مشكلتها في بنيتها الهشة… التي قد توقف المجزرة الحالية، لكن ليس لديها أبعد من زحزحة المواقع لا هندسة خريطة حلّ كبير.

ـ 2 ـ

..إسرائيل لن تنتصر…

وسيستمر ترويج اليمين الإسرائيلي لخدعة: «سنتحمّل قليلاً… ولكننا سنتخلص منهم ومن كل ذلك للأبد»… الخدعة برعاية شركات التجميل للحسناوات السعيدات بالمشاركة في جريمة ضد الإنسانية.

الخدعة مغرية لأنها تطيل عمر السياسيين في اليمين، لكنها تكشف الخدعة الأكبر في أن إسرائيل «جنة الأمان» لكل يهودي..، وهو ما يصعب الأمر على آلة الحرب الإسرائيلية… التي تذهب إلى ارتكاب جرائم حرب أكثر دموية… وتدرك أنها ليست في نزهة، تعود معها بالنصر وبالقضاء على «الفلسطيني المزعج» في انتظار «فلسطيني طيب» يخاف من الموت…

في إسرائيل إدراك الآن أكثر من أي وقت أن «الأمان» مستحيل… برغم معاهدات السلام والسفارات في العواصم العربية، وبرغم توحّش الآلة الحربية…

الدم في 2014 سيغيّر الانتظارات الفلسطينية.

ـ 3 ـ

لن ينتظر الفلسطيني حنان الأشقاء، ولا رايات المجاهدين….

وهذا ربما يكون وعياً جديداً يلمّ شتاتاً فلسطينياً عجيباً بين: غزة (حيث حماس في السلطة والحياة عبر المعبر) والضفة (حيث السلطة مركزها في القاهرة والحياة تحت إرادة حكام تل أبيب) وأراضي 1948 (حيث الهوية الممزقة وتطاحن الحياة اليومية مع حلم فلسطين التاريخية…)…

الشتات الفلسطيني يحتاج إلى قوة اجتماعية وسياسية جديدة تعيد إلى القضية محتواها التحريري لا السلطوي تحت الشعارات الهوياتية/ وهذه القوة الجديدة هي أمل غائب ليس في فلسطين فقط ولكن في إنقاذ دول المنطقة التي تتدافع نخبها الحاكمة أو بقاياها عن خريطة سايكس بيكو في مواجهة ميليشيات آكلي الدول من مرتزقة الأممية الإسلامية….

العواصم العربية تتفتت تباعاً أمام آكلي الدول لأن هناك من أكل هذه العواصم نفسها عبر سنوات الاستبداد الطويلة…

هل تؤكل الدول مرتين؟