IMLebanon

الإهتزاز الأمني وارد كلّ لحظة

لا وجود لإشارات مطمئنة في الأسابيع القليلة المقبلة. صحيح أنّ الهدوء يسود منذ انسحاب المجموعات المتطرّفة من عرسال، لكن هناك من يَصف هذا الهدوء بأنّه مخادع ويُناقض الواقعَ الفعلي للمعطيات الحقيقية.

صحيحٌ أنّ الجيش اللبناني أحكَم سيطرته الميدانية على عرسال ومحيطها، وأنّه أقام خطوط دفاع عسكرية قادرة على حماية المنطقة من أيّ اعتداء مفاجئ، لكنّ مجموعات الاستطلاع رصَدت تحضيرات عسكرية مستمرّة لمجموعات المتطرّفين وتحرّكات مستمرّة.

إضافة الى أنّ المعلومات التي تملكها القيادة العسكرية الوسطى للجيش الاميركي والمستندة الى الصوَر الملتقطة عبر الأقمار الصناعية تؤكّد الجهوزية التي تعيشها هذه المجموعات، ما يعني أنّها قادرة عند كلّ لحظة على تكرار «غزوَتها» للمنطقة.

وفي المقلب الآخر، أي في مناطق جرود القلمون، تبدو المعارك الدائرة بين هذه المجموعات و»حزب الله» مرشّحة لأن تستغرق وقتاً طويلاً بسبب مستجدّات كثيرة طرأت. صحيح أنّ مجموعات «حزب الله» الساعية الى السيطرة النهائية على كلّ هذه المنطقة أحكمَت قبضتها على مساحة واسعة من هذه الجرود وانتزعت ما يُقارب ثلثَ المساحة التي كانت تحت سيطرة المجموعات المتطرفة، إلّا أنّ المساحة المتبقّية تبقى وعرة وظروفُها صعبة، وهي مثالية لحروب العصابات.

وما بين الاستمرار في الهجوم بوتيرة سريعة مع ما يعني ذلك من تكلفة بشرية قد تصل الى 500 عنصر من «حزب الله»، وبين تنفيذ خيار القضم بعد تقسيم المنطقة أربع مربّعات مستقلة، اختارت القيادة العسكرية للحزب الخيار الثاني الذي يحدّ من الخسائر البشرية الى الحدّ الأدنى، ولكنّه سيحتاج وقتاً أطول بكثير. ويُرجّح البعض امتدادَ المعركة النهائية حتى مطلع ربيع السنة المقبلة في حال تعذَّر الحسم الكامل قبل بدء الثلوج بالتساقط.

وكلّ هذا سيعني أنّ التواصل ما بين مسلّحي جرود القلمون وجرود عرسال سيستمرّ مع وجود إمكانية دائمة وعند كلّ لحظة لإشعال البقاع الشمالي، طبعاً انسجاماً مع اللحظة السياسية المناسبة.

ولا تبدو هذه المنطقة الحدودية وحدَها مبعَث قلق أمني جدّي، ذلك أنّه ومنذ فترة رُصِدت تحرّكات مكثّفة للمجموعات المتطرّفة عند المنطقة الحدودية في البقاع الغربي. وتشير عمليات الرصد والاستطلاع الى تمركز «قتالي» لهذه المجموعات التي تسند ظهرها إلى المناطق السورية المتاخمة والتي لا تزال تشكّل مربّعات نفوذ لها.

وفي التقويم العسكري لهذه المجموعات، أنّها قادرة على التحرّك عند أيّ لحظة أيضاً لشنّ عمليات عسكرية للمرّة الأولى في هذه المنطقة الحسّاسة، التي تشهد خليطاً طائفياً متنوّعاً، مع اعتقاد البعض بوجود رهان لدى المجموعات المتطرّفة بالحصول على تعاطفٍ ما من بعض مناطق البقاع الغربي التي تنتشر في أرجائها مخيّمات اللاجئين السوريّين.

ولا يبدو بريئاً مطلب المتطرّفين الذين يَحتجزون عسكريّين لبنانيّين القاضي بوقف كلّ أشكال المداهمات لمخيّمات النازحين، فيما تعود دوريّات المداهمة عند كلّ مرّة بكمّيات لا بأس بها من السلاح والأعتدة العسكرية. لذلك، فإنّ الهدوء المخيِّم الآن هو هدوء مخادع. وتشير معلومات ديبلوماسية الى أنّ العواصم الغربية المتابعة للوضع الأمني اللبناني، وفي طليعتِها واشنطن وباريس، تُبدي قلقاً إضافيّاً بسبب وقوع بعض الشرائح اللبنانية في فخّ التحريض الذي تمارسه المجموعات المتطرفة.

ويُروَى أنّ أحدَ السفراء الغربيين حين سأل وزيراً بارزاً عن صحّة المعلومات القائلة بوجود بعض حالات التأييد لهذه المجموعات على مستوى طرابلس، أجابه ريفي نافياً.

لكنّ الأوساط الديبلوماسية لم تقتنع بالإجابة، وبدَت قلقةً من بعض المعلومات التي تملكها، فهي تُدرك أنّ السواد الأعظم من هذا الشارع لن يكون بأيّ شكل من الأشكال بيئة حاضنة، لكن يكفي النجاح في تجنيد خمسة انتحاريين من هذه المنطقة وخمسة من منطقة أخرى ليخرّب لبنان. لذلك كان التشجيع للرئيس سعد الحريري على العودة إلى لبنان، من هنا فكرة إعادة إحياء الإنماء وفتح بوّابة المساعدات الاقتصادية.

لكنّ المتابعين يدركون أنّ للتفجير الأمني توقيتاً سياسياً ووظيفةً وهدفاً.

وبعد ترتيب السلطة السياسية في العراق، من البديهي فتحُ ملفّ السلطة في لبنان والتي تعاني من فراغ على المستوى الرئاسي، والعواصم الغربية تُدرك جيداً أنّ هناك من يسعى الى تعزيز أوراقه من خلال الفراغ الحاصل. وكما جرى إنضاج «طبخة» السلطة في العراق على نار «داعش» الحارقة، فلماذا لا يفكّر البعض في إنضاج السلطة في لبنان على نار تطوّرات أمنيّة تختزن الساحة اللبنانية كلّ مقوّماتها؟

ويقال إنّ المسؤول الأممي السفير جيفري فيلتمان الذي وصلَ إلى أوكرانيا، قَبِل تولّي مهمّة إنجاز تسوية للأزمة الأوكرانية، لاعتقاده أنّها ستكون مهمّة العمر في حال نجحَ في إنجازها. ويتردّد أنّ فيلتمان يستعدّ لمفاوضات طويلة وصعبة مع موسكو يصل مداها إلى الشرق الأوسط، حيث لروسيا مصالح حيوية كبرى، وقيل إنّه جهَّز ملفّاته في هذا الشأن والتي تشمل لبنان، حيث سيستكشف من خلال موسكو الموقف الإيراني الفعلي من أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان.

وهو يعلم أنّ باريس كانت قد سألت طهران منذ مدّة عن ملف الرئاسة اللبنانية وسمعَت نصيحة طهران بالتوجّه إلى «حزب الله» مباشرةً وسؤاله، لأن لا علاقة لإيران بالمسألة، وكان التفسير الفرنسي أنّ الجواب الإيراني سلبي. وقد يكون استكشاف فيلتمان أساسيّاً ومهمّاً قبل تحديد الوجهة التي ستسلكها الساحة اللبنانية.