IMLebanon

«الائتلاف» لمحاربة «داعش» يضع لبنان امام «امتحان» صعب..!!

هل تتحول «الحرب الكونية» على «داعش» من «نعمة» الى «نقمة» على الساحة اللبنانية؟ سؤال طرح بقوة خلال الساعات القليلة الماضية على بعد مسافة زمنية قصيرة من تحديد الرئيس الاميركي باراك اوباما الخطوط العريضة لاستراتيجية مواجهة «الدولة الاسلامية»؟ وقبل ساعات معدودات من انعقاد المؤتمر الاقليمي الذي سيعقد في جدة للتحالف مع واشنطن ضد «داعش». فهل لبنان مستعد لمواكبة المرحلة الجديدة؟ وهل ما تزال استراتيجية «النأي» عن النفس صالحة للتعايش مع متطلبات «حقبة» مواجهة «داعش»؟؟

هذه المخاوف، طرحتها اوساط ديبلوماسية في بيروت على عدد من المسؤولين اللبنانيين وكانت جادة في تعبيرها عن القلق ازاء غياب استراتيجية لبنانية موحدة في التعامل مع هذا التحالف الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «الارهاب» في المنطقة. وتنطلق مخاوف تلك الاوساط من وجود هوة داخلية كبيرة تشكل انعكاسا للهوة بين دول الاقليم المؤثرة على الساحة اللبنانية، فاستبعاد واشنطن لطهران ودمشق من هذا التحالف، على الاقل بصورة علنية، يزيد من مخاطر ازدياد الانقسامات على الساحة اللبنانية التي تشهد اوضاعا شديدة التعقيد في ظل الانقسام العامودي السياسي والمذهبي ازاء التعامل مع الملف السوري الذي يشكل بوابة عبور كل «الشرور» التكفيرية الى الداخل اللبناني. واليوم مع تبني هذا التحالف الدولي لخطط عملانية تقوم على هزيمة، او احتواء، او الحد من نفوذ «داعش» على قاعدة عدم استفادة النظام السوري من هذه الاستراتيجية ومعها حلف المقاومة، سيعقد الامور ويزيد من مخاطر ازدياد الانقسامات الداخلية على خلفية تجذر الخلاف حول دور لبنان في هذه الحرب وحدود تدخله فيها، في ظل عدم وجود تفاهم على توصيف العدو وكيفية مواجهته.

ومن الملفات الاساسية التي ستشكل مادة خلافية بين مكونات حكومة «المصلحة الوطنية»، تضيف الاوساط تتعلق بربط «الائتلاف» الدولي الاقليمي لدور لبنان في الحرب على «الارهاب»، بوقف تدخل حزب الله في الحرب السورية، وهذا المطلب يتصدر قائمة مطالب السعوديين، وقد سبق وابلغوا الاميركيين به. طبعا هذا المطلب غير قابل للصرف. اما المعضلة الثانية فتتعلق بتصنيف القوى المتطرفة داخل لبنان وكيفية التعامل معها تطبيقا لسياسة «تجفيف» منابع الارهاب، فهل التيارات السلفية المتشددة في طرابلس تقع ضمن هذا التصنيف؟ وسألت الاوساط وهل القيادات السلفية ومنها الشيخ سالم الرافعي وداعي الاسلام الشهال تقع ضمنها؟ ماذا عن هيئة العلماء المسلمين واين يقع تصنيفها؟ ماذا عن الشيخ مصطفى الحجيري «ابوطاقية» المعروف بانه المفتي الشرعي لـ«جبهة النصرة»؟ وماذا ايضا عن رئيس بلدية عرسال علي الحجيري ذات العلاقة الوثيقة مع المسلحين السوريين؟ هل سيصنفان بأنهما يدعمان الارهاب، خصوصا بعد اعتبار المحكمة العسكرية انهما فاريان من وجه العدالة؟ كيف سيتم هذا الامر اذا كان وزير الداخلية نهاد المشنوق يشيد علنا بجهود الشيخ الحجيري، فيما يستقبل الرئيس سعد الحريري «الريس» في بيت الوسط؟ اذا ما هي قواعد تصنيف الارهابيين، واي «كتاب» ستعتمده الحكومة المنقسمة في تصنيفاتها، لمن هو ارهابي ومن هو «داعية» سلام؟ وهل يملك تيار المستقبل قراره للقيام بتحرك جاد لضرب المتطرفين ضمن بيئته؟ وهل يريد ذلك اصلا؟ خصوصا ان بعض السفراء الغربيين سمعوا كلاما «مخيفا» من قبل قيادات مستقبلية تضمن تحذيرا من خروج السنة من الجيش اذا ما اتخذت خطوات في هذا السياق؟

وتلفت تلك الاوساط، الى ان هذه الخلافات بين قوى 14آذار و8 آذار ارخت بثقلها على المداولات الاقليمية والدولية المتعلقة بتسليح الجيش، وما حصل من تراجع الحماسة الفرنسية والسعودية في هذا الاطار له ابعاد تتجاوز الحديث عن العمولات والصفقات، فهذا التريث يرتبط بشكل مباشر بكيفية استخدام هذا السلاح وفي مواجهة اي طرف؟ وهنا دخلت عوامل شديدة التعقيد، فمثلا لا ترغب دول خليجية في مواجهة بين الجيش و«جبهة النصرة» التي لا تزال «وفية» لرعاتها الاقليميين ولم تخرج عن السيطرة كما حصل مع «داعش»، وكذلك لا ترغب الدول الخليجية ومعها الغرب في ان تستخدم هذه الاسلحة في اي مواجهة مع ما تعتبره فصائل مسلحة سورية «معتدلة»، ولا تريد ايضا اي تعاون جدي مع الجيش السوري أو حزب الله في اي مواجهة محتملة في منطقة القلمون وجرود عرسال. وكل هذه القيود مرشحة لان تدخل حيزا تفصيلا اكثر تعقيدا مع حصول تفاهم على تشكيل الائتلاف الدولي الاقليمي لمكافحة خطر «داعش».

وفي هذا السياق تقول الاوساط، مطلوب من «الجبهة» اللبنانية ان لا تتحرك باتجاه اي رد فعل حاسم يقلب موازين القوى في المناطق الحدودية مع سوريا، الى حين نجاح الدول الراعية للمجموعات المسلحة السورية في تقديم مجموعة سورية مسلّحة بديلة عن «الدولة الاسلامية» تكون قادرة على مواجهة الجيش السوري، وهو ما يبدو صعباً حتى الآن، ويحتاج الى وقت طويل، وهذا يعني ان الساحة اللبنانية ستدخل مرحلة استنزاف طويلة لا يستطيع احد التكهن في مدى القدرة على ابقائها ضمن ضوابط الاستقرار الهش القائم راهنا، خصوصا ان «مفاتيح اللعبة» لا تنحصر بيد لاعب واحد وهناك اكثر من طرف يجيد تسخين الموقف عندما يريد ذلك.

وازاء ما تقدم، اشارت الاوساط الى ان ما يزيد المخاطر على الساحة اللبنانية، ان «اعداء « «محور المقاومة» سيستغلون الحرب المزمعة على «داعش» لبدء مرحلة جديدة من الحرب على الدولة السورية، فحلفاء واشنطن وخصوصا الرياض وانقرة لن يشاركوا مجانا في هذا الائتلاف وما تسرب من معطيات يشير الى ان الاختلاف بين الجانبين حول «كل شيء» في المنطقة، لم يشمل الملف السوري حيث تقدم الجانبان بمطالب واضحة وصريحة لاستغلال التدخل الدولي في استنزاف الدولة السورية، كمقدمة لاسقاط النظام فيما بعد، وهذا دفع موسكو الى تحذير الولايات المتحدة بالتخطيط لاستخدام الغارات الجوية لتوجيه ضربات للجيش السوري، وقد كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف شديد الوضوح حين اكد أن التحالف الدولي لا يمكن أن يكون فعالاً، بسبب قيامه على أساس مصالح مجموعة معينة من الدول والسعي إلى تحييد الخطر في منطقة واحدة دون أخرى.

اما الحديث عن تقارب ايراني- سعودي رأت الاوساط انه يمكن ان يثمر قريبا في حل «معضلات» المنطقة، ومنها الملف اللبناني، فلا يبدو دقيقا في المدى المنظور، والامور، تحتاج الى وقت طويل قبل ان تتبلور، ومن خلال الاطلالة على الملفين العراقي واليمني يمكن التأكد من هذه الاستنتاجات، ففي العراق بدأت الرياض تشعر بان الايرانيين «نصبوا « لها «فخا» جديدا من خلال التغيير الشكلي في رئاسة الحكومة، وثمة من يرى ان نوري المالكي خرج من «الباب» ليعود من «الشباك» مع تشكيلة حكومية فيها كل «صقور» ايران في العراق، فيما «الرسائل» الدموية القادمة من اليمن تشي بأن «الصراع» بين الطرفين ما يزال مفتوحا على مصراعيه. وامام هذه الاحتمالات المفتوحة، تقول الاوساط لن تكون الساحة اللبنانية بعيدة عن التداعيات، خصوصا ان الجميع امام تحدٍ «مجهول» وغير واضح المعالم بعد عنوان «مكافحة خطر داعش» فيما تكمن «الشياطين» في تفاصيله، ولذلك اذا انحرفت الحرب على «داعش» عن مقاصدها المعلنة، فعندها ستكون المنطقة امام مخاطر انفجار كبير غير محدود في المكان والزمان، وواحدة من الثوابت اللبنانية المؤكدة ان حزب الله لن يقف «متفرجا» امام اي انزلاق للعمليات العسكرية المزمعة تجاه ضرب الجيش السوري، فهو شريك مؤثر في هذه الحرب وسيكون جزءا اساسيا من الاستراتيجية السورية والروسية والايرانية للرد على احتمال مماثل.