IMLebanon

الاجتهاد في تعقيد الدستور؟!

فيما تنشط المساعي والجهود بحثا عن رئيس جمهورية يلبي مطالب السياسيين المختلفة، فان المشهد السياسي المرتبط بهذا الاستحقاق، يبدو مختلفا تماما عما يمكن ان يتحقق طالما بقيت الامور ذات الصلة بقرار مجلس النواب عالقة بين اكثرية الثلثين وبين تمسك البعض بنسبة معينة من النصاب ما يعني ان لا مجال لعقد جلسة كاملة المواصفات، اي بثلثي النواب، في وقت يستمر البعض بالتحكم بالاكثرية والا لما تكرر عقد جلسات انتخابية  من دون طائل؟!

ان رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما اجتهد بتوفر الثلثين لم يكن يقصد الاستمرار بهذا المشهد، حيث لا بد بعد ذلك من عقد جلسات في حضور الاكثرية المطلقة، وهذا لم يحصل لاحقا جراء التمسك بالثلثين بصورة دائمة، حتى ولو ادى ذلك الى منع انتخاب رئيس جمهورية «مهما طال زمن المط بالجلسات» خصوصا ان القدرات النيابية في هذا الاتجاه او ذاك عاجزة امس واليوم وغدا عن تجنب استخدام النصاب في حرب سياسية مرشحة لان تستمر سنين طويلة ربما لان المقصود عدم انتخاب رئيس!

ان البحث عن العقد والتمسك بها يؤكدان مثلا  ان دستورنا اعرج، بدليل سعي البعض الى تغيير ما يفهم منه اننا بحاجة الى تطوير المواد التي تكفل المجيء برئيس بطريقة انتخاب مختلفة، علما ان الذين شرعوا وسيلة الانتخاب سابقا لاحظوا وجود استحالة امام التصويت النيابي، حيث لا بد عندها من ان يكون تصويت شعبي، وعندها لن يكون رئيس الا من خلال ما تؤمنه الاكثرية المذهبية، مع ما يعنيه ذلك من تغيير جذري في منهجية الحكم في لبنان الذي حدد الاطار الديني تكريس الجمهورية وهكذا بالنسبة الى رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة؟

ليس المهم البقاء في هذه الدوامة، في حال كانت  ثمة رغبة في تغيير النظام ومعه الدستور، شرط اعلان ذلك صراحة اسوة بما حصل ايام اتفاق الطائف الذي نزع كل ما له علاقة بالسلطة من رئيس الجمهورية واناطها بمجلس الوزراء مجتمعا. وها هو مجلس الوزراء لا يعرف ما يفعله في غياب رئيس الجمهورية اي ان السلطة تكاد تضيع من جانب الحكومة وفي الوقت عينه في مجلس النواب؟!

ان الذي حدد وسائل التشريع لم يقل يوما ان الاكثرية النيابية تفرض اكثرية الثلثين عند انتخاب رئيس الجمهورية الا في حال افتتاح جلسات الانتخاب، حيث المعروف عن السلطة التشريعية انها قادرة لاحقا على انتخاب الرئيس عبر الاكثرية المطلقة، اي النصف زائدا واحدا، ولو عمل الرئيس بري بمثل هكذا اجتهاد لما كانت مشكلة ولا كان شغور في الرئاسة الاولى، ولما كانت جرجرة باتجاه عقد جلسات من المستحيل ان يتأمن فيها النصاب عندما تكون الغاية منع وصول رئيس، طالما ان الغاية واحدة في مجال قول مجلس النواب كلمته؟!

واللافت في هذا الصدد، ان الوضع الانتخابي سيبقى كما هو عليه من جلسات من دون نصاب والا دعت الحاجة الى تعيين رئيس الجمهورية مثله مثل اي وزير، ما يعني ربط الرئيس بحال سياسية استفزازية على مدار ساعات الحكم. وهيهات ان يقدر الرئيس بري وسواه على تأمين ثلثين نيابيين من لون واحد، والا لما كانت حاجة الى انتخاب رئيس مجلس نواب، بما في ذلك تحديد من هو رئيس الحكومة!

هذا الاطار السياسي المحسوب على الاكثرية قد لا يتجدد تلقائيا جراء انتخابات مذهبية ومناطقية كما هو حاصل في لبنان، وعندها من المستحيل على احد القول انه قادر على تأمين اكثرية الثلثين فضلا عن ان الحاجة السياسية للبلد تنتفي مع مثل هكذا تشريع، لان الحاجة الى الاكثرية تحدد لونا معينا للحكم، لا مجال لتأمينه في لبنان الا في حال تغيير الدستور من جذوره؟!

صحيح ان هناك من يتطلع الى اجراء تعديل جذري في السلطة وفي طريقة الحكم، مع ما قد يعني ذلك ترك الامور في عهدة المذاهب اي وضع رئيس الجمهورية في عهدة المسيحيين حصرا، وهكذا بالنسبة الى وضع رئيس مجلس النواب في عهدة الطائفة الشيعية، فيما يتم وضع الحكومة في يد الطائفة السنية، والا لن تقوم قيامة للبلد  في ظل هكذا تركيبة فسيفسائية – مذهبية من المستحيل جمع اللبنانيين حولها؟!

رب قائل ان الانتخابات الرئاسية في سوريا جرت من دون تعقيدات دستورية، على رغم الحرب الدائرة هناك وهذا ما يقال عن الانتخابات الرئاسية في مصر. لكن الوضع في لبنان مختلف تماما لان كل واحد يفسر الدستور بحسب رغبته الشخصية الامر الذي يعزز عوامل البقاء في التعقيدات التي نعيشها وسنبقى من دون رئيس حتى اشعار اخر؟!