يبدو من المفارقات الغريبة ان يصادف استحقاق الانتخابات لتسلم الحكم في وقت متقارب بين العراق الذي اعلنت نتائج انتخاباتها البرلمانية امس الاثنين ولبنان الذي من المفترض ان ينتخب رئيسا جديدا للجمهورية قبل انتهاء المهلة الدستورية قبل 25 الجاري والنظام السوري الذي سيؤمن استمراريته لولاية ثالثة في 3 حزيران المقبل عبر تنظيم انتخابات في مناطق سيطرته فيما كل هذه الانتخابات تستحق وفق ما هو مفترض قبل الانتهاء من المفاوضات التي تجريها ايران مع الدول الغربية حول ملفها النووي والتوصل الى اتفاق نهائي في هذا الشأن. ومع ان الانتخابات الرئاسية حصلت في الجزائر وهي مرتقبة في مصر هذا الشهر ايضا على نحو يكرس القديم او اعادة القديم بحلة جديدة كما الحال بالنسبة الى مصر ، فان مفارقة المحور من العراق فسوريا ولبنان هو شموله وفق تصريحات الجنرالات الايرانيين من ضمن الامتداد الايراني الى الجنوب اللبناني او شواطئ البحر المتوسط بحيث يعتقد مراقبون ديبلوماسيون انه قد يكون من الاهمية بالنسبة الى طهران حصول هذه الاستحقاقات على النحو الافضل بما يتلاءم والامر الواقع الذي تعتبر ايران في ضوئه محققة لمكاسب مهمة قبل التوصل الى اتفاق نهائي حول ملفها النووي وما يمكن ان يفسر الغطرسة العسكرية الايرانية في هذه المكاسب. وفيما يعاد القديم مجددا الى الصورة عبر اعلان فوز نوري المالكي بالغالبية النيابية او اعادة تأمين استمرار بشار الاسد فان الاستحقاق اللبناني من شأنه في حال حصوله ان يبرز الفارق فيما اذا كانت الامور آيلة الى ابقاء التوازن قائما وفق ما برز في تأليف الحكومة الحالية او الى الاخلال به.
والسؤال اثارته التطورات اللبنانية المتسارعة الاخيرة والكلام حول احتمال انتخاب العماد ميشال عون والبلبلة التي اثارها هذا الموضوع ، ومعروف عن عون موقعه التحالفي مع “حزب الله” فضلا عن كونه مرشحه المعلن الوحيد حتى الآن ولو لم يقل الحزب ذلك صراحة، من زاوية انه وفي كل المراحل التي برز فيها العجز عن فصل موضوع لبنان عن الامتدادات الاقليمية للحرب الاهلية السورية وامتداداتها الاقليمية، هل يمكن ان يعني ذلك امتدادا لمكاسب محور اقليمي معين يتقدم من العراق الى سوريا فلبنان ايا تكن الاعتبارات اللبنانية الداخلية في الاستحقاق الانتخابي ، وهي كثيرة بعضها طائفي وبعضها الآخر سياسي. فمن غير المتوقع ومن غير المنتظر الا يتم ربط هذه الاستحقاقات جميعها وما سيتحقق فيها في ضوء الصراع الاقليمي او ربما التفاهم الاقليمي ايضا في حين ان الوضع في لبنان غيره في سوريا او في العراق قد لا يحتمل ذلك ما لم يكن عنوانا لتغيير كبير في المنطقة علما ان الوضع في العراق كما في سوريا في ضوء الاستحقاقين الانتخابيين فيها مرشحان لمزيد من الاضطرابات او استمرار الحرب السورية من دون افق قريب للحل. كما من المستبعد ان تنجح محاولات عزل الانتخاب الرئاسي اللبناني على انه صناعة لبنانية كما تم الزعم بالنسبة الى الحكومة التي قامت على اساس متوازن مختلف حتى الآن عما يجري في العراق او في سوريا لانه سرعان ما سيسجل الانتصار.
في مداخلة قدمها رئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية مارتن ديمبسي الاسبوع الماضي في مؤتمر حول السياسات الدفاعية في مركز ابحاث ” المجلس الاطلسي ” شرح المستشار العسكري الاول لرئيس الولايات المتحدة ولمجلس الامن القومي مفهومه لما تواجهه المعارضة السورية وعدم جهوزيتها لتسلم الوضع شارحا الاسباب التي تدفع بلاده لئلا تكون في طور تزويد المعارضة السورية بما تحتاجه للسيطرة على الوضع. وبدا من خلال موقف ديمبسي بالنسبة الى المراقبين ان الولايات المتحدة أعطت مؤشرات متناقضة الاسبوع الماضي حيال موقفها من الازمة السورية عشية استعداد النظام السوري لتأمين استمراره ولاية ثالثة. اذ جرى تنظيم استقبال لوفد الائتلاف الوطني السوري المعارض والذي توج بلقاء مع الرئيس الاميركي باراك أوباما جنبا الى جنب رفع مستوى مكتب المعارضة في واشنطن الى مستوى بعثة خارجية قبل انتقال الوفد الى لندن من اجل اجتماع لاصدقاء الشعب السوري. وتزامنا مع هذا الاجتماع الذي حضره وزراء خارجية 11 دولة من اصدقاء الشعب السوري الاقليميين والغربيين صدر بيان اعتبر فيه ان الانتخابات التي ستجرى” مهزلة “مع وعد بتقديم دعم للمعارضة السورية المعتدلة من اجل تعديل الوضع على الارض. وتزامنا مع هذا الموقف لـ “الاصدقاء” ، فان رئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية قال ان بلاده ليست في طور تزويد المعارضة السورية ما تحتاج اليه للسيطرة على الارض على نحو ينقض ما جاء في مضمون بيان اصدقاء الشعب السوري في لندن او على الاقل يقلل أهمية الدعم الذي اعلن للمعارضة. الا ان ابعد من هذا المغزى لكلام القائد العسكري الاميركي فهو اضاف في سياق شرح وجهة نظره “بالمناسبة ان الموضوع ليس في سوريا بل هو من بيروت الى دمشق الى بغداد”. فهو ولو لم يشرح تفصيلا ما يعنيه بهذا القول ، فان كلامه واضح على امتداد عناصر الازمة في المنطقة كما شرحها اي في الدول التي باتت تعتبرها ايران امتدادها الاقليمي وتوسع نفوذها.