IMLebanon

الاستقرار اللبناني النسبي: ملتقى المصادفات؟!

 

يتميّز لبنان اليوم في محيطه، بأنّه محكوم بالفراغ الدستوري للموقع الأوّل في دولته. يبدو مع ذلك البلد، ورغم قطوع التفجير الإرهابي الأخير في ضهر البيدر، ورغم حدّة الانقسام الأهلي الذي أضيف إليه الانقسام الحادّ على خلفية تدخل «حزب الله» في سوريا، أكثر «استقراراً» من كيانات وطنية أخرى في المنطقة.

أكثر «استقراراً»؟ المؤكّد أنها ليست كلمة لا دقيقة ولا موفّقة، لكنها محاولة لتسطير الفارق بين المسار الذي اتخذته الأمور في سوريا والعراق، وبين الوضع اللبناني المنفعل بالحرب في سوريا وأيضاً في العراق، والمتدخّل قسم من أبنائه في الحرب السورية إلى جانب نظام الاحتضار الدموي، والذي يواجه مسألة ديموغرافية وإنسانية نوعية تتمثّل بحجم اللجوء السوريّ إليه، لكنه يبقى يعيش في تهدئة نسبية، تمدّد لنفسها، لنقل يوماً بيوم، لكن ذلك يحصل منذ ثلاث سنوات بشكل أو بآخر، وقد نجح مؤخراً في تحسين نوعي حياة الطرابلسيين بعد استنزاف طال لسنوات.

كل هذا رغم أن انتخابات نيابية لم تحصل في موعدها، فيما اقتربنا من مدة انتهاء الفترة الذي مددها المجلس لنفسه، ورغم أن الانتخابات الرئاسية التي كانت المبرّر الوحيد لهذا التمديد البرلماني لم تحصل، لأن الكتل الممانعة والموالية لإيران والنظام السوري فصّلت الدستور على حسابها، وشرّعت الفراغ، بتطيير الجلسات، والتلاعب بالتوازنات الطائفية، فيما تقرع بين الفينة والفينة طبول «المؤتمر التأسيسي» الذي لا تُعرَف من معالمه إلا رذاذ لُعاب الشهيّة، شهيّة تحويل هيمنة الأمر الواقع لـ«حزب الله» إلى محور إعادة تشكيل النظام السياسي في البلد.

بالنسبة لهذا الحزب نفسه، فإن ما نعيشه من «استقرار» نسبيّ وهشّ، ومستند إلى تفشي التعطيل والفراغ، إنما هو نتيجة لتدخّله في الحرب السورية. بالنسبة لأخصام هذا الحزب، فإن تدخّله في الحرب السورية هو أكبر تهديد يستهدف الاستقرار النسبي الذي يحافظ عليه البلد، وبالتالي فإن الضغوط العربية والدولية لمنع انتقال الحريق السوري إلى لبنان هي العنصر الأساسي الذي ينبغي تظهيره والحرص عليه، وهو ما يعكسه دوام التذكير بـ«إعلان بعبدا».

هناك في المقابل، من يستند لتفسير حالة الاستقرار النسبي التي نعيشها، بخلاف ما في سوريا والعراق، بأسباب مزمنة وبنيوية أكثر، منها أن بلداً اجتاز حرباً أهلية طويلة كلبنان عليه أن ينتظر كذا جيل كي يعاود الكرة، في حين أن سوريا والعراق يعيشان حرباً أهلية محتبسة ومؤجلة منذ عقود. ومنها أنّ ثلاثية «الموارنة والسنة والشيعة» وانقسام الموارنة بين الفرقتين يعقّد تطوّرات الأزمة اللبنانية ويجعلها محكومة بالسياسة أكثر مما هو الحال في العراق وسوريا حيث الحسابات الديموغرافية وحسابات الاستئثار والإقصاء تظهر نافرة لا يردعها رادع ولا يلجمها تعقيد، بحيث تفجّر نزعات طاردة ونابذة للحدود الوطنية. يضاف طبعاً، التفاوت بين عدم مكابرة النظام اللبناني على طائفيته بل وتأصيله الدستوري لها، وبين المكابرة المطولة على موضوع الطائفية في العراق وسوريا، الأمر الذي جاء يتكامل مع قيام غلبة مذهبية في البلدين، ولو تحت ستار المحاربة القومية التقدمية للشعوبية في حال العراق، والمحاربة القومية التقدمية للرجعية الإخوانية في حال سوريا.

ثمة إذاً أكثر من عنصر تقي المنظر اللبناني من التماثل مع الحاصل سورياً وعراقياً، مع ذلك فاجتماع هذه العناصر هش، وتصادفيّ إلى حد كبير، والتدهور الأمني على درجات، وتفريغ المؤسسات له تداعياته في آخر الأمر، والتدخّل في سوريا له تداعيات منظورة وأخرى غير منظورة، والأهمّ، أن ما نعيشه من استقرار نسبي حالياً لم يقدّره أحد ملء قدره بعد كي يكون متاحاً من ثمّ الحرص عليه، وبلورة شيء صالح ونافع ومفيد للجميع ابتداء منه، وهذا بيت القصيد.