اقتراح إجراء انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة وعلى دورتين المقدم من نواب «تكتل الإصلاح والتغيير» جريء جداً، لكونه جاء في غير زمانه بعد أن مضى أكثر من ثلاثة أشهر على «خلو سدة الرئاسة»، ولأنه يحدث انقلاباً واسعاً في النظام السياسي ويمس مفاهيم أساسية بنيت عليها كيانية الدولة اللبنانية وصيغة العيش المشترك التي كفلها الدستور.
فهذا الاقتراح، الذي يشير إلى إجراء دورة الانتخاب الأولى بين المسيحيين فقط لتأهيل مرشحَين تحصر المنافسة بينهما في الدورة الثانية التي يشارك فيها اللبنانيون من جميع الطوائف، سيكون أول نص يدخل في الدستور اللبناني يذكر فيه المسيحيين والمسلمين، وهو الأمر الذي خجلت الجهات المعنية بالتعديلات الدستورية المتعاقبة من الإقدام على إقحامه في متن النص، وإن كان الجميع يحترمون في الممارسة «الصيغة» التي وزعت المسؤوليات في الحكم بين الطوائف والمذاهب.
إن إجراء الانتخاب على دورتين، وفق الشروط التي جاء بها اقتراح التعديل، يتناقض مع مفاهيم أساسية جاء بها الدستور ومنها اعتباره أن «إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه…» و«لا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان…». وإذا كانت المادتان 24 و95 قد ذكرت «المسيحيين والمسلمين في متنهما، فكان ذلك ليس لتكريس واقع إنما جاءتا في إطار خطوة أساسية في مسار إلغاء الطائفية السياسية. ففي المادة الأولى جاء التالي: «إلى ان يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين». وفي المادة الثانية جاء التالي: «على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية…». ولهذا فإن الاقتراح المقدم من «التكتل» كما أنه ليس وفياً لهذه المفاهيم الدستورية فقط، إنما هو قبل ذلك يتناقض معها ويحاول الإجهاز عليها، وبذلك يكون إقراره يتطلب تعديلات أساسية في مقدمة الدستور وفي مواد أخرى عديدة، وليس في المادة 49 فقط التي طلب تعديلها.
واقتراح إجراء الانتخاب الرئاسي على دورتين هو مطلب أساسي جداً في مسار ترميم وإصلاح النظام السياسي في لبنان، باعتبار ان الشعب سيكون هو المنتخب بصورة مباشرة، ولكن اشتراط إجراء الدورة الانتخابية الأولى بمشاركة طائفة محددة حصراً في الاقتراح يبنى على نتيجتها الترشح للدورة الثانية التي يشارك فيها جميع اللبنانيين، بحيث يكون التأهيل للترشح في الدورة الثانية للمرشحين اللذين نالا أكثرية الأصوات في الدورة الأولى، هو أمر يجهز على إيجابيات إجراء الانتخاب مباشرة من الشعب، سيان أكان ذلك على أساس دورتين أو دورة واحدة. ففي مثل هذه الحالة تتعطل المساواة بين اللبنانيين باعتبار أن طائفة تشارك في الانتخاب مرتين (التأهيلية والنهائية) أما الطائفة الأخرى فتنحصر مشاركتها في دورة واحدة. فهل يكون في ذلك تحقيقاً للمساواة بين اللبنانيين التي كفلها الدستور في مواد عديدة خصوصاً المادتين 7 و12.
يثير هذا التمييز مسألة أساسية إنما إجرائية. ففي دورة الانتخاب الثانية لا يترشح إلا المرشحان اللذان نالا أكثرية الأصوات في الدورة الأولى (التأهيلية الحصرية)، فإذا لم تجر هذه الدورة وترك الترشح مفتوحاً للجميع في الدورة الثانية، فهل من المنطق الظن بأن الفائز نتيجة مشاركة جميع اللبنانيين لن يكون واحداً من المرشحين اللذين نالا أكثرية الأصوات في الدورة التأهيلية؟ وحتى ان حصل ذلك فالذين صوتوا لغير المرشحين الأولين في الدورة الأولى هم لبنانيون أيضاً ورئيس الجمهورية هو رئيس دولتهم، فكيف يمكن تعطيل خيارهم ومن له الحق في مصادرة هذا الخيار إذا ما حصل فعلاً؟!
إن المرشح من الطائفة التي أولت لها الصيغة اللبنانية ان يكون رئيس الجمهورية منها، لن يكون قوياً إذا ما نال أكثرية أصوات أبناء طائفته أو من جاء ترتيبه الثاني، انما قوة الرئيس تكون أولاً وأخيراً في التفاف جميع اللبنانيين ـ أو معظمهم ـ حوله، فأي قوة هي عندما يكون رئيس البلاد متمتعاً بأصوات أبناء طائفته ومعارضاً من قبل بقية اللبنانيين؟ أليس من بعض الأسماء المرشحة للرئاسة اليوم مثال على ذلك؟
هل يقدم «تكتل الإصلاح والتغيير» على تعديل اقتراح تعديله الدستوري بحذف فقرة صغيرة واحدة منه هي تلك المتعلقة بمن يحق له المشاركة في الدورة التأهيلية الأولى لجعلها مفتوحة أمام جميع اللبنانيين لانتخاب رئيسهم، والأولان فيها يترشحان في الدورة الثانية التي تبقى على ما هي عليه في الاقتراح؟