IMLebanon

الانتخابات أو «الولايات اللبنانية المتحدة»

مَن يظنّ أنّ الرئيس نبيه برّي يُناور في رفضه التمديد لمجلس النواب واهمٌ ومشتبه. رئيس المجلس يتحدَّث بإسم كلّ قوى «8 آذار» في هذا الشأن بما فيها «حزب الله» الذي لم يصدر عنه موقف علني في هذا الشأن.

المسألة بسيطة للغاية. التمديد لمجلس نيابي لا يعمل ولا يُشرّع ولا ينتج، يعني التمديد لكلّ الأزمات والفراغات في الدولة، وفي مقدّمها الشغور الحاصل في ملف رئاسة الجمهورية. والمطالبة بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها هي محاولة لعدم الوقوع في المحظور والوصول الى نقطة اللاعودة فيما يخصّ إجراء الانتخابات او حتى التمديد للمجلس نفسه.

الحسابات الانتخابية التي يضعها تيار «المستقبل» أولوية في إعلانه الصريح عن رغبته بتمديد ولاية المجلس، تشير الى ضعف في الشارع الذي يستند اليه التيار عند كلّ انتخابات، وذلك بسبب غياب الرئيس سعد الحريري الطويل، وتفلّت شرائح وازنة في الشارع «السنّي» من قبضة «المستقبل». لكنّ هذا الامر ليس كافياً في نظر كثيرين للحديث عن «التمديد»، لأنّ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ومعه «القوات اللبنانية» والكتائب لن يشاركوا في جلسة التمديد.

لنفترض أنّ الكتل النيابية المسيحية رفضت المشاركة في الجلسة المخصّصة لإطالة عمر المجلس، عندها سيعلن الرئيس برّي أنّ الجلسة غير ميثاقية بسبب غياب المكوّن المسيحي، وبالتالي لن يستمرّ في الدعوة اليها وسيدخل المجلس النيابي في مرحلة انتهاء الولاية بلا تمديد او إجراء انتخابات. وعندها تصبح الحكومة بحكم المستقيلة ولن تستطيع الاستمرار في إدارة السلطة نظراً الى التعقيدات الدستورية والقانونية التي تطرأ.

هذا ليس كلّ شيء. عندما تصل البلاد الى هذا المستوى من «الفشل»، سنكون حكماً أمام مرحلة طويلة من الفوضى السياسية والدستورية والامنية، وستضطرّ الدول الاقليمية والدولية للمسارعة الى «إحاطة» الوضع اللبناني خصوصاً، وينفتح البازار لإنتاج «صيغة جديدة»، وبالتالي نصل الى «مؤتمر تأسيسي» لن نخرج منه عائدين الى «اتفاق الطائف»، بل ربما الى نظام سياسي جديد متناغم مع كل ما يحصل من أطروحات في الإقليم.

«الطائف» كان صيغة شراكة ومحاصصة موسّعة، أُرجئ تنفيذها حتى لا تُصاب الدول القريبة بعدوى «الفدرلة» او ما نسمّيه نحن باللّامركزية الموسّعة، لكنّ المناخ الذي طرأ في الأعوام الثلاثة الاخيرة أصبح يميل الى الحفاظ على كيانات «سايكس – بيكو»، لكن بشخصية جديدة مستندة الى فكرة بدأ تطبيقها عملياً في العراق، ويمكننا تسميتها «الولايات العراقية المتحّدة».

إذاً في الحالين، حال الحفاظ على «الطائف»، أو الذهاب نحو صيغة جديدة، سيؤدّي الفراغ الى محاكاة لبنانية للصيغ المقترَحة لكلّ من العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، وجوهر هذه الصيغ هو الإبقاء على هذه الكيانات موحّدة بالشكل، أما في المضمون فتكون مستقلّة وتدير شؤونها الذاتية بلا مداخلات من «المركز».

ونائب الرئيس الاميركي جو بايدن أعاد التأكيد أخيراً على أنّ الحلّ في العراق يكون بإنشاء ثلاثة كيانات مستقلّة لكن ضمن وحدة فيدرالية. الأمر نفسه يجري الحديث عنه في شأن سوريا، وقد وردت معلومات بأنّ السعودية وافقت على نقاش هذا النوع من النظم السياسية في سوريا حتى في ظلّ بقاء الرئيس بشار الاسد في الحكم.

مَن يرفض التمديد ينظر الى هذا المستوى مما ستؤول اليه الامور. المسألة ليست في شعبية تيار «المستقبل» وقدرته على العودة الى مجلس النواب بأكثرية ساحقة، أو في مقترحات النائب نقولا فتوش حول مدة التمديد وطريقته. إنما النقاش الجدّي ينحصر في جهوزية لبنان واللبنانيين للذهاب نحو صيغة «الولايات اللبنانية المتحّدة»، بأقلّ الخسائر الممكنة، وبلا حروب أهلية ونزاعات وتهجير وهجرات جماعية واسعة.