IMLebanon

البطاركة يطرقون أبواب واشنطن… والموارنة لن يغيبوا عن خريطة المنطقة

لم يسمع الشرق والغرب إستغاثاتِ المسيحيين الذين باتوا في مرحلة الرمق الأخير من القتال، ما دفع بطاركة الشرق إلى نقل منبر الصيحات الى عاصمة أكبر قوّة عالمية، أي الى قلب واشنطن.

تأخذ القضية المسيحية المشرقية منحىً جديداً مع إنطلاق مؤتمر المسيحيين المشرقيين في واشنطن اليوم، لكن ليس من زاوية القرارات الأميركيّة المستجيبة للنداءات، بل من باب نقل الصوت الى العاصمة الأميركية التي تعتبرها الكنائس المشرقية مقصّرةً في حماية الوجود المسيحي السياسي والديموغرافي بعد التهجير المُمَنهج الذي تعرّض له في العراق وسوريا.

ويقود اللوبي الماروني في الولايات المتحدة الاميركية الحملة التجييشية لحضّ أميركا على التحرّك لوضع حدٍّ لتهجير المسيحيين أولاً، وحلّ العقد التي تعرقل إنتخاب رئيس مسيحي لجمهورية لبنان.

ويتألّف هذا اللوبي في أميركا من المهاجرين الموارنة الذين يتعاطون الشأن العام، ويتوزّعون داخل إدارتها، بعضهم وصل الى عضوية الكونغرس، وبعضهم الآخر من كبار الموظفين، ناهيك عن رجال أعمال وأصحاب شركات مؤثرة، ويستند هذا اللوبي الى مجموعة علاقات مع القوى النافذة في الدولة الاميركية.

من هذه البوابة، يقَع العمل الأساسي على عاتق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي يترأس وفد البطاركة المشرقيين، على أن يَعقد لقاءات عدّة بعد إنتهاء المؤتمر في 11 أيلول الجاري إستكمالاً لنشاطه السياسي الذي كان قائماً قبل المؤتمر وسيستمرّ بعده. ومن المرجّح أن يلتقي الراعي مع وفد البطاركة الرئيسَ الأميركي باراك أوباما يومَ الخميس 11 أيلول، ليطرحا أمامه معاناة مسيحيّي الشرق وضرورة إنتخاب رئيس الجمهورية المسيحي.

في انتظار إمكان نجاح المساعي هذه لعَقد خلوة بين الراعي وأوباما، تعود الى الذاكرة تجربة البطريرك الراحل بولس بطرس المعوشي عندما زار واشنطن عام 1958 لحضّها على عدم التمديد للرئيس كميل شمعون، وبعدما تعذّر عليه الإجتماع بالرئيس دوايت ايزنهاور منفرداً، سار معه في حديقة البيت الأبيض وقال له وفق ما نقل الوفد المرافق له آنذاك: «نرفض التمديد الرئاسي لأنه سيؤدّي الى حرب أهلية».

فهل ينجح الراعي في إيصال الرسالة لأوباما لإقناعه بأنّ الفراغ في سدّة الرئاسة اللبنانية مرفوض ويضرّ بالمسيحيين خصوصاً وبالتالي المنطقة عموماً.

لا تعوّل الكنائس المشرقية كثيراً على مؤتمر واشنطن، خصوصاً الكنيسة المارونية، وتؤكد أوساط كنسية لـ»الجمهورية»، أنّ «شكل المؤتمر أو مكان إنعقاده ليسا مهمّين، إنما العمل قائم على إقناع واشنطن بضرورة إنقاذ المسيحيين، فالمطلوب خطوات عملية لا كلامية»، لافتة الى أنّ «المؤتمر يشكّل صرخة لعواصم القرار».

وتذكر الأوساط بأنّ «البطريرك الراعي كان قد التقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال زيارته الأخيرة الى بيروت وسلّمه رسالة يطلب فيها قراراً أميركياً بإستعجال انتخاب رئيس، وبالتالي سيسأل الراعي عن مدى الإستجابة الاميركية».

وتلفت الأوساط إلى أنّ «الظرف تغيّر اليوم. فعندما زار كيري لبنان، كان الوضع متفجّراً لكن «داعش» لم تكن بهذه القوّة، وبالتالي على أميركا تحريك المجموعة الدولية لوقف زحف «داعش» وعدم السماح بتمدّدها الى لبنان، والحفاظ على ما تبقى من الوجود المسيحي».

يُصرّ البطاركة على بذل كلّ الممكن وعدم ترك باب إلّا ويُطرقوه لحلّ الأزمة المشرقية المسيحية، وأمام إعادة رسم خريطة المنطقة الجديدة لا يمكن للبطريركية المارونية إلّا أن تكون حاضرة، خصوصاً أنها كانت موجودة بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى وتوقيع اتفاقية سايكس- بيكو، وأصرَّت على إقامة دولة تُطمئن المسيحيين، في وقت إتَّجه مسيحيّو الشرق نحو الطروحات العروبية.

اليومَ، لا تُريد البطريركية المارونية أن تَغيب عن رسم الخريطة الجديدة للشرق الأوسط بعد إزالة الحدود بين الدول، في حال فُقد الأمل في إحياء الصيغة القديمة.

وهنا ترى الكنيسة ضرورة الحضور في واشنطن مثلما حضرت في فرنسا سابقاً عندما رسَم الإنتداب حدود الدول، علماً أنّ علاقة الموارنة بالولايات المتحدة الأميركية أقلّ من عادية، ولم تكن مثل علاقتها بفرنسا. من هنا، ستعمل البطريركية المارونية على الحفاظ على لبنان 1920، في حال تغيّرت كلّ حدود المنطقة ودولها.