في ذروة صدمة مفجعة ثانية للبنانيين تنبري عائلة الشهيد الثاني الجندي البطل عباس مدلج رغم هول الكارثة وترتفع فوق الانتماءات المذهبية والطائفية الى الرد المحكم على “داعش” فوق الدماء المهروقة.
يضع “داعش” الفرد اللبناني كما دولته كما سائر جماعاته امام استحقاق عصي على الوصف. يتحسس كل لبناني بأبشع ما يمكن تصوره مصيره كلما سقطت عليه الانباء المشؤومة بتهديد حياة العسكريين الرهائن او بذبح عسكري. لا سوابق لهذا الخطر تقارن وحشية ما يجري مع العسكريين بأي وحشية اخرى مرت في تجارب لبنان القديم او الحديث. يشعل “داعش” بسكينه من بُعد وبالصور الحية عنفا في دواخل اللبنانيين لم يتمكن اي طرف خارجي او داخلي، وبأي ظروف وبأي أنماط حربية او قتالية او احتلالية إشعاله. يحفز على العنف ويحقن بجرعاته المتدحرجة اللبنانيين من حيث يخطط عمدا او بفعل فرض صورة الرعب وسيلة للهيمنة. ذروة الخوف نهايتها عنف غير مسبوق وذروة المواجهة ايضا تملي عنفا ساحقا. لذا، فإن “داعش” يعيد صياغة لبنان العنف من بعد ولو لم يدرجه على لائحة الدول المرشحة لمد إمارته.
بدا نداء عائلة البطل الشهيد في التحذير من السقوط في مقتل العنف والحض على الحفاظ على النسيج اللبناني التعايشي متطابقا تماما مع الشجاعة المذهلة للشهيد عباس التي تطوع ناحروه الى إعلام العالم بها. عرف داعش الآن ان عباس هو مجموع اللبنانيين الذين سيواجههم سواء قدر لهم ان يتجنبوا السقوط في التهلكة التي يدبرها لهم من بعيد او من قريب ام لا. في كل الاحتمالات وأشدها سوءا كما في كل الاحتمالات التي لا تزال قائمة لتجنب السقطة ثمة عنف عارم شحن به لبنان الى درجة التعبئة الشاملة تحفزا للدفاع الوجودي. حين تصبح غريزة الدفاع هي المفصل الحاسم لن يكون في قدرة اي قادر منع اللبنانيين جماعات وطوائف ومذاهب وأفرادا من التسلح والتحفز والتعبئة. لبنان ليس العراق وسوريا ولن يكون مثلهما. تعددية لبنان هي الفيروس القاتل لداعش وطوائف لبنان بمعظمها هي طوائف مقاتلة تاريخيا. اذا كان ذلك يشكل الفارق الاساسي الذي يحول دون مغامرة داعش في إلحاق لبنان بإمارته، فإن الأهم ان يغمر لبنان عائلات رهائنه العسكريين جميعا بما يليق بشهادتي علي السيد وعباس مدلج وأسر رفاقهما المتبقين أسوة باستنفار دولة لبنان التي يتعين عليها ان تواجه استحقاق إثبات كونها دولة أيا تكن القرارات صعبة ومؤلمة. هذه جراحة وطن فعلا ولا يمكن هزيمة داعش الا من الداخل اولا وعلى مستوى نداء من بضعة اسطر خطته عائلة لبنانية رفعت مع بسالة شهيدها شرف لبنان الى ذروة الذروات.