اليوم يبدأ العدّ النهائي والحاسم للاستحقاق الرئاسي، ويُهدّد «فخامة الفراغ» باقتحام قصر بعبدا الاثنين المقبل، في حال استمرت مناورات تعطيل الجلسات الانتخابية في مجلس النواب، ولم تتوصل بكركي مع القيادات المارونية، إلى تسمية مرشّح يمكن أن يحظى بلقب «التوافقي»، ويُحرّر الانتخابات الرئاسية من دوّامة الفراغ والتعطيل!
مِن حق البطريرك الماروني مار بشارة الراعي أن يرفض حصول الفراغ في قصر بعبدا، ولو ليوم واحد! ولكن الاكتفاء بالرفض الكلامي وحده لا يكفي، إذ لا بدّ أن يطرح الأمور بصراحة تامة، ويضع النقاط الصحيحة فوق الحروف التي يُعطل أصحابها جلسات الانتخاب، وهم أنفسهم الذين حالوا دون حصول توافق ماروني – ماروني أولاً، ووطني ثانياً، على مرشّح محدّد، يجسّد التمثيل المسيحي الصحيح، ويُعبّر عن الخيار المسيحي الوطني، بعيداً عن مزايدات الإحباط ، والكلام عن ضياع الخيار المسيحي، في خضم الأكثرية الإسلامية!
مِن حق البطريرك الراعي أن يرفض قيام أي طرف بمهام رئيس الجمهورية، ولو ليوم واحد، ولكن ما الحل الذي يراه مناسباً، في حال فشلت الطبقة السياسية في تجاوز خلافاتها، وانتخاب رئيس توافقي؟
مَن يتحمّل مسؤولية هذا الفشل المريع؟ وكيف يمكن تدبير أمور البلاد والعباد، في حال تخلف مجلس الوزراء مجتمعاً، عن ممارسة بعض الصلاحيات الضرورية والأساسية، العائدة لرئيس الجمهورية، وذلك وفق ما ينص عليه الدستور، أولاً وأخيراً؟
* * *
لا ندري إذا كانت الاجتماعات السياسية المكثفة التي شهدتها العاصمة الفرنسية خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، قادرة على تحقيق اختراق ما، في جبهة الاستحقاق الرئاسي، الذي يبدو أن اللبنانيين أضاعوا مفتاح بابه الرئيسي، والذي أصبح مختطفاً في أيدي قوى خارجية وإقليمية، تَعتبر أن الملف اللبناني، هو ورقة تفاوض بامتياز، عندما تحين ساعة التسويات والصفقات في المنطقة!
رب قائل: هل يعني هذا الواقع المرير، أن دور اللبنانيين انتفى كلياً في الانتخابات الرئاسية المتعثرة؟
المعطيات المتوافرة، لدى المرجعيات المارونية خاصة والمسيحية عامة، السياسية والروحية، تعطي أكثر من إشارة على إمكانية تجنّب الفراغ الرئاسي، لو تمّ التوافق الداخلي باكراً، حيث كان الوقت يسمح بتسويقه لدى العواصم الإقليمية والدولية، المعنية بالوضع اللبناني.
ثمة من يُشير إلى أن عدم اقتناع القيادات المارونية الرئيسية (الجميّل، عون، جعجع وفرنجية)، بصعوبة وصول إحداها إلى قصر بعبدا، بسبب الفيتوات المتبادلة، بينهم أولاً، وانعكاسات خلافاتهم على مواقف أهل الحل والربط في الخارج، قد أدّى، وإلى حدّ كبير، في تجميد الاتصالات بين الأطراف الخارجية، التي لا تضع لبنان، ولا الاستحقاق الرئاسي، في أولويات الأجندة الإقليمية، الحافلة ببنود الحروب والملفات الساخنة، الملتهبة في المنطقة.
ويرى أصحاب هذا الرأي، أن استغراق الزعماء الموارنة في خلافاتهم الشخصية، ورفضهم، حتى الآن، الخوض في اقتراحات التسوية، أو «المخارج الوسطية»، من رفض التمديد للرئيس ميشال سليمان، ولو لسنة واحدة، وعدم الموافقة على أي تعديل دستوري يسمح لعدد محدود من كبار الموظفين الدخول إلى حلبة السباق الرئاسي، إلى عدم التوافق على مرشّح مُعيّن من خارج الحلقة الرباعية المذكورة، الأمر الذي ساهم في وضع زمام الاستحقاق الرئاسي في أيدي أطراف داخلية وخارجية، بعيدة عن المواقع المسيحية!
* * *
ثمة محاولات لبنانية جدّية، لإجراء الانتخابات الرئاسية قبل انقضاء المهلة الدستورية، ولكن هذه المحاولات لم تصل بعد إلى إنتاج مرشّح قادر على الجمع بين توافقات الداخل، ومباركات الخارج، على اعتبار أن «التانغو الرئاسي» لا ينجح إلا في حال حصل الانسجام بين الراقصين في الداخل والخارج، وعند غياب الانسجام المنشود يهوي الوطن الصغير نحو الفوضى المدمرة!
هذا ما حصل في فراغ 1988 – 1990، وهو ما حاول البطريرك الراعي التذكير به، على طريقته، في عظة الأمس الأحد.
فهل يتحرّك الزعماء الموارنة نحو التوافق، أم أن البلد على موعد مع تجربة أخرى من الفراغ والفوضى..!