3 أيلول 2014
قبل اندلاع ما سمي بـ”حرب السنتين” في نيسان 1975، بدأت حملات تحريض وتمهيد لها من خلال كتابات وشعارات على الجدران، ذات طابع طائفي، وكان منها واحد كتب تحت جنح الظلام على جدار داخلي في كنيسة تقع بين منطقتي سن الفيل والنبعة، وهو: “الله وأكبر. لا إله إلا الله” (الواو تدل على جهل للشعار)، وألقي القبض على مرتكب هذا العمل التحريضي المكشوف الاهداف وهي إثارة فتنة طائفية بين المسيحيين والمسلمين الشيعة الذين كانوا يشكّلون كثافة في منطقة النبعة، وتبين أن المرتكب هو من سكان حي مجاور غير مسلم ويعمل مأجورا لحساب جهة مخابراتية تعمل على التمهيد لتفجير الحرب الاهلية.
تكررت تلك المحاولات الدنيئة على مر السنين، ومنذ ذلك التاريخ، وما قبله لم تتوقف، في محطات مختلفة لم يكن آخرها ما سمي بـ”فتح الاسلام” وهي مجموعات مسلحة “هبطت” فجأة على مخيم نهر البارد الفلسطيني في الشمال قرب طرابلس، وقد اختفى من كان على رأسها المدعو شاكر العبسي بقدرة قادر وعاد من حيث أتى بعدما أنجز مهمته قتلاً وتدميراً وخراباً… وبعدها جاءت المجموعات التي تشكل ما يسمى بـ”داعش” لتعيث فساداً في الاراضي اللبنانية من خلال الحدود المتاخمة لسوريا متلطية وراء شعارات اسلامية، ومُهّد لها بأعمال خطف وقتل وتحريض طائفي ومذهبي بين أبناء المنطقة الواحدة والبلدة الواحدة، وسجلت ولا تزال “نجاحا منقطع النظير” في تشويه صورة الاسلام في العالم، استكمالا لحملة مركزة بلغت ذروتها في التفجيرات الارهابية التي استهدفت مبنى التجارة العالمي في نيويورك في ايلول عام 2001، والاضاءة على ظاهرة “بن لادن” وخطابه الترويجي لانقسام العالم بين “فسطاطين” مسلم ومسيحي.
منذ ذلك التاريخ تستمر أعمال التحريض وإثارة الفتن والحروب بأشكال مختلفة وفي أماكن متفرقة من الدول العربية تحديداً، وقد “تطورت” من الطائفية الى المذهبية بين المسلمين السنة والشيعة، وبلغت ذروتها في العراق وتحديدا في زمن حكم المالكي الذي شكلت إطاحته بداية حديث جدي عن السعي الى حل يوقف الحلقة الاجرامية والجهنمية التي لم يشهد لها العراق مثيلا في كل مراحل الديكتاتوريات، وكل ذلك في موازاة محاولات متكررة في مصر واليمن وسوريا، وحملات تحريض وتخريب في بعض الدول العربية في الخليج. وفي لبنان لم تتوقف تلك المحاولات الدنيئة والمكشوفة وكانت عرسال آخر محطاتها الدامية من خلال الاجتياح المسلح الذي استهدفها وإثارة النعرات والتحريض الطائفي والمذهبي حتى بين الضحايا والأسرى!
كل ذلك في غياب تحرك جدي، سواء من الدول العربية والاسلامية عموما، او من دول العالم غير المتورطة في تشكيل تلك المجموعات المسلحة وتحريكها واستعمالها عند الحاجة… ومن دون اية خطوات عملية تكون بمثابة هجوم مضاد لوقف تلك المجموعات التي باتت تشكل – مع من يقف وراءها – خطرا حقيقيا على المنطقة برمتها، ولبنان من ضمنها.
في المحصلة إذاً، يبدو السلاح الأمضى في استهداف لبنان والمنطقة، هو سلاح الطائفية والمذهبية، و”الهجوم المضاد” يفترض أن ينطلق من السعي الى عدم الوقوع في الفخ وعدم تحول الناس في تلك الدول وقودا وادوات لتلك المشاريع الجهنمية، وهذا لا يكون الا من خلال ازالة اسباب التفجير. وفي هذا الصدد يرى الرئيس سليم الحص ان “سلامة المجتمع في لبنان وبالتالي سلامة المصير الوطني تقتضي اكثر من إبعاد شبح الانفجار، انها تستوجب محو أسباب الانفجار كلياً، ولا يكون ذلك الا بإخماد العصبية المذهبية والطائفية كلياً بين الناس، ولا يكتمل هذا العمل إلا بإلغاء الطائفية كما نص اتفاق الطائف”.
وكيف يمكن اجتثاث آفة المذهبية والطائفية من جذورها في النفوس؟
“الكل مطالب بدور في هذا السبيل”، يقول الحص، “بدءا بوقف التحريض وتهدئة الخطاب السياسي”، ويضيف: “ليس بين اللبنانيين من يحق له التنصّل من المسؤولية، فلكل دوره : المعلم في المدرسة والاستاذ في الجامعة والشيخ في المسجد والكاهن في الكنيسة والكاتب في الصحافة والمعلق في الاذاعات وفي شبكات التلفزة، وكذلك رب العمل في المتجر والمصنع، واهل السياسة في الكلام الذي يصدر عنهم كما في سلوكهم وادائهم. الكل مسؤول في ميدان العمل على تجاوز الحالة الطائفية بين مسلم ومسيحي، وتجاوز الحالة المذهبية بين سني وشيعي”.
ويرى انه “اذا كان القضاء على الحالة الطائفية والمذهبية محفوفا بالصعاب، فذلك، اضافة الى العوامل المحلية، لأن قوى فاعلة في العالم لها مصلحة في استمرار الانقسامات المذهبية والطائفية لا بل تأجيجها، وتتصدر اسرائيل تاريخيا، القوى التي تعمل على تعميق الانقسامات الفئوية في العالم العربي، بما في ذلك لبنان، واي جهد يبذل في التصدي لحال الانقسام في المجتمعات العربية والاسلامية ينبغي ان يحسب حساب العراقيل التي يمكن ان تفتعلها الدولة العبرية لإجهاض اي مسعى في هذا السبيل، وخلايا التجسس الاسرائيلية التي اكتشفتها الاجهزة الامنية في لبنان خلال السنوات الماضية كانت مؤشراً رهيباً الى الاساليب التي يمكن أن تسلكها اسرائيل في التخريب على لبنان وأي بلد عربي”.