يتصادم تنظيم «داعش» مع قوى يكاد لا يجمعها جامع. يتصادم مع المعتدلين دينياً وسياسياً، ومع المعتدلين سياسياً فقط، ومع المتعصّبين دينياً ضده من خلفية مذهبية أو عقائدية، ومع المقتربين عقائدياً منه والمختلفين معه في التنظيم، ويتصادم مع الطوائف جميعها، والوطنيات الكيانية جميعها، والأفكار القومية جميعها، في هذه المنطقة من العالم.
هذا التصادم مع كل الحكومات والتيارات والجيوش والأفكار يطوّق تمدّد التنظيم، لكنه يمدّه أيضاً بأسباب القوّة، ليس فقط من ناحية إبرازه بمظهر الحيوية الجامحة التي تثير الرعب في كل مستند الى الركود، بل أيضاً من ناحية أن معادلة من قبيل «تحشيد الكل ضد داعش» من شأنها أن تخفّض فعالية التدخل ضد هذا التنظيم.
ضد «داعش« اليوم معتدلون ومتطرفون، طغاة وديموقراطيون، إسلاميون وإسلاموفوبيون، أمبرياليون ومعادون للإمبريالية، فكيف يمكن تنظيم حلف مفيد من كل هذا؟! طبعاً ثمة مقترحات عديدة. ثمة من يدعو الى «تحالف أجهزة استخباراتية» لتوجيه ضربات تقصم ظهر هذا التنظيم وتجعله ينكمش على نفسه. وثمة من يدعو إلى نسخة منقحة من «تحالف الأقليات» تواكب التمدد الداعشي وتواجهه، وتبتغي الاستفادة من تمدد «داعش« لمواصلة الصراع المذهبي في المنطقة، بدعوى أنّه إما ولاية الفقيه التي تلحق كل الأقليات تبعياً بها، وإما «داعش« المعادية استئصالياً لكل الأقليات والمعادية «هندسياً» للأكثرية، تريد إعادة تشكيلها على صورتها ومثالها. ترمي ذهنية «حلف الأقليات» هذه إلى تبييض صفحة نظام قتل الناس بالسلاح الكيماوي ويواظب على رمي البراميل المتفجرة ضد الأهلين، كما ترمي إلى استيراد «الإسلاموفوبيا» وتأطيرها فئوياً، لمصلحة مذهب ضد آخر، بل لمصلحة أصولية ضد أخرى.
في المقابل، لا وجاهة لأي رؤية تطويقية لتنظيم «داعش»، لا تنطلق من تضافر المصارحات النقدية: المصارحة النقدية بأن الاحتلال الأميركي للعراق كان كارثة كبرى وبكافة المقاييس، وأكبر من كارثة النظام الصدامي نفسه، وأن رهان جماعات أهلية وتيارات فكرية على هذا الاحتلال، هو الذي فتح الطريق لظهور ما سيعرف بـ»داعش». والمصارحة النقدية بأنّ من يهمّه سقوط «داعش» لا يمكنه أن يقاتل لأجل نجدة نظام آل الأسد. قد يجوز البحث، والأخذ والرد، حول سياسات المناوشة أو التواطؤ وصولاً إلى التصادم الحالي بين النظام و»داعش»، لكن المشكلة الأساسية هي أن «داعش» بجرائمها إنما تشكّل «صورة بالنيغاتيف» للنظامين البعثيين العراقي والسوري مجتمعين.
لا يمكن إعادة بناء كيان سوري تعددي من دون إعادة بناء كيان عراقي تعددي. لا يمكن تطويق «داعش« من خارج رؤية تبحث عن إنهاء الصراع من أجل الهيمنة المذهبية الأحادية، سواء من الموقع الأقلوي أو الأكثري. وبهذا المعنى، من يريد ضرب «داعش» وإبقاء بشار الأسد عليه أن يكون صريحاً، هو يطلب الشيء ونقيضه.
حلف المعتدلين في مواجهة «داعش» هو اليوم ضرورة حيوية. لكنها ضرورة صعبة. هي تستدعي الجمع بين اثنتين: أن لا يكون ثمة، بين «السنة والشيعة» من غالب ومغلوب، لا في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان. وأن يكون ثمة، بين الظواهر الاستبدادية مغلوبان أساسيان: أحدهما مزمن، وهو نظام البعث في سوريا، وثانيهما، طري العود، وهو تنظيم «داعش«.