استوقف المشهد النيابي في ساحة النجمة المتضامن مع مسيحيي الموصل وأهالي غزّة مرجعاً سياسياً بارزاً، إذ وجد فيه مفارقة كبيرة تمثّلت باختفاء كل مظاهر الإنقسام والخلاف بين الكتل النيابية، واجتماع النواب على توجّه سياسي واحد يصبّ في سياق دعم المسيحيين المضطهدين من قبل تنظيم «داعش» في العراق والفلسطينيين الذين تقتلهم إسرائيل يومياً في غزّة وبشكل همجي ومجرم. واعتبر هذا المرجع أن المبادرة التضامنية وصورة النواب مجتمعين للمرة الأولى منذ أشهر حملت دلالات عدّة أبرزها أن العنوان الإنساني الإقليمي قادر على التحكّم بالمعادلات السياسية الداخلية، في حين أن كل العناوين المحلية الدستورية منها والإجتماعية والسياسية والإدارية لا تحتل أية أولوية لدى بعض الكتل النيابية التي لا تزال في موقع المراقب للمشهد الداخلي المزدحم بالعناوين والإستحقاقات، وفي مقدّمها الإستحقاق الرئاسي. ورأى المرجع أن هذه القدرة الخارجية على تحريك القوى السياسية باتجاه واحد، تخفي في طياتها إرادة أيضاً على تجميدها أو تعطيل دورها الداخلي في القضايا الرئيسية، وليس فقط في الإنتخابات الرئاسية أو النيابية، أو حتى الملفات الأمنية.
وبالتالي، فإن الإيجابية التي تجلّت في الواجب التضامني مع أهالي الموصل وغزّة الذين يتعرّضون للإضطهاد من قبل الإرهاب، لا يجب أن تقف عند هذا المستوى، على حدّ قول المرجع السياسي نفسه، والذي ركّز على أن ما من عوائق قانونية أو دستورية تحول دون أن يتكرّر المشهد النيابي في الجلسة التضامنية في أي جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، أي أن يتجاوز المقاطعون كل الحواجز التي منعت حتى الساعة من انتخاب الرئيس العتيد، وذلك بغض النظر عن كل الإعتبارات السياسية والحزبية الداخلية والخارجية، وخصوصاً الإقليمية، وذلك بعدما بات شبه مؤكد أن القرار الإقليمي هو وحده الذي يحرّك الأفرقاء السياسيين، ويملك القدرة على إقناعهم بالسير بأي عنوان أو روزنامة داخلية مهما كانت طبيعتها، وبالتالي، ليس القرار الدولي هو الذي يؤخّر الإستحقاقات وبشكل خاص الإستحقاق الرئاسي، كما أنها ليست المعايير والإعتبارات المرتبطة بشخصية الرئيس التي تمنع حصول عملية انتخاب بصورة ديمقراطية أو تحول دون إجراء انتخابات نيابية وتفادي التمديد للمرة الثانية للمجلس النيابي الحالي.
وانطلاقاً من هذا الواقع، فإن التوافق النيابي الواسع على دعم أهالي الموصل وغزّة، يجب أن يترجم توافقاً على دعم لبنان والشعب اللبناني من خلال الخروج من دوّامة الإنقسام حول الإستحقاق الرئاسي، وتفادي استمرار الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، والذي فتح الباب أمام الجمود والتعطيل في أكثر من مجال ومستوى قانوني وإداري، كما أضاف المرجع السياسي نفسه، والذي شدّد على أهمية استثمار المناخ النيابي المستجدّ لبلورة تصوّر سياسي أو مبادرة خاصة لتأمين العمل التشريعي تزامناً مع العمل الإنتخابي في المجلس النيابي، وذلك بهدف الخروج من مأزق تعطيل هذا المجلس وانعكاس هذا الأمر على ملفات حيوية ليس اقلّها ملف رواتب موظفي القطاع العام الذي شكّل أزمة مالية واجتماعية على مدى الأسبوعين الماضيين، قبل أن تنجح الحكومة في معالجته، ولو بشكل محدود ومؤقّت، وذلك بفعل الإتفاق السياسي الجانبي بين القوى السياسية في فريقي 8 و 14 آذار.
وخلص المرجع ذاته إلى أن مناخات الإرتياح التي سادت في الساعات ألـ 48 الماضية نتيجة القرارات الحكومية الأخيرة، والجلسة النيابية العامة التضامنية مع أهالي غزّة والموصل، لا بد وأن تنسحب على مجمل الوضع العام فتؤدي إلى تسريع توافق المكوّنات السياسية على أكثر من صعيد، مما يساهم في ترسيخ أجواء الإستقرار الأمني بعد مرحلة من الإنتكاسات والإشكالات الأمنية المحدودة.