IMLebanon

التطاول على الراعي يســـتدرج تضامناً وطنياً

موضوعان استأثرا بالمشهد السياسي في الأيام الأخيرة: مقاطعة الامتحانات الرسمية، والحملة على بكركي. والمشترك بين الموضوعين هو ضرب الاستقرار، أكان من طبيعة سياسية أو اجتماعية. ففي عزّ الحرب الأهلية لم تعرف العائلات اللبنانية هذا القلق على مصير أبنائها الذين يعيشون في حالة من الإحباط والقرف قد تقودهم مستقبلاً إلى الهجرة من لبنان، ليأتي من يسأل لاحقاً عن الأسباب الكامنة وراء هجرة الأدمغة من بلاد الأرز، إلّا إذا كان المطلوب والمقصود تفريغ لبنان من عنصر الشباب في سياق مخطّط لتفريغه من أهله تسهيلاً لوضع اليد عليه. وفي موازاة الحملة على العائلات اللبنانية تواصلت الحملة على بكركي التي تندرج عمليّاً في خانة واحدة، وهي ضرب الأسُس والمرتكزات التي قام عليها لبنان، وذلك في سياق إعادة توتير الوضع السياسي بعد الاستقرار النسبي الذي شهده لبنان على اثر تأليف الحكومة، ومن أهداف هذا التوتير تمديدُ الفراغ في رئاسة الجمهورية، كما التمديد لمجلس النوّاب. وفي هذا الإطار يسجَّل لرئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط دفاعه عن بكركي و»تمريكه» على المسيحيّين، خصوصاً بعدما تساءَل: «لماذا هذا الصمت المريب من معظم الفرقاء، بحيث تُرك البطريرك وحيداً ولم يصدر موقفٌ واحدٌ مدافِعٌ عنه»؟

تركّزت الاتّصالات التي جرت خلال الساعات الأخيرة على حماية التضامن الحكومي، في ضوء الاستعدادات لجلسة مجلس الوزراء التي تُعقد عصر اليوم في السراي الحكومي، والمخصّصة للبحث في آلية عملها ووسيلة تعاطيها مع تسَلّمها صلاحيات رئيس الجمهورية، والآلية التي ستُتبع في إعداد جدول الأعمال ونشر المراسيم الصادرة عنها، وما يمكن اعتباره نظاماً داخلياً إستثنائياً للحكومة، للعبور بهذه المرحلة من الشغور الرئاسي إلى برّ الأمان، بما يحفظ وحدة الحكومة وتضامنها في المرحلة المقبلة، وصولاً إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في مهلة لا يمكن من اليوم التكهّن بموعدها.

وتزامُناً مع سَيل المواقف التي تدعو إلى الإسراع في العمل لتقصير فترة الشغور الرئاسي لم تُسجَّل أيّ خطوة تكسر الجمود الحاصل في الاستحقاق الرئاسي، فيما أسفَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي لإقفال القصر الجمهوري «الذي هو رمز لكرامتنا»، وقال: «عندما نراه مقفلاً تُجرَح كرامتنا».

تزامُناً، نفَت مراجع مَعنية الرواياتِ التي تحدّثت عن زيارات لعدد من المسؤولين الى العاصمة الفرنسية للقاء الرئيس سعد الحريري.

وفي هذا الإطار، نفى النائب جنبلاط التقارير الإعلامية المتتالية التي تتحدّث عن سفره الى باريس للقاء رئيس تيار»المستقبل» سعد الحريري، مشيراً إلى أنّه «عندما يحين موعد اللقاء سيتمّ الإعلان عنه رسمياً، تفادياً للاستمرار في نشر سَيل من التكهّنات غير الصحيحة».

كذلك، سرَت روايات بعد ظهر أمس بأنّ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل يستعدّ لزيارة باريس للقاء الحريري أيضاً، وقالت مصادر في «التيار الوطني الحر» إنّ الخبر غير صحيح على الإطلاق وإنّ برنامج باسيل لا يلحظ أيّ نشاط خارج لبنان في الساعات الـ 72 المقبلة.

إلى ذلك، ذكرت مصادر عليمة أنّ الحريري موجود في المغرب، في زيارة خاصة، إلى جانب الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وهو ليس على استعداد للانتقال الى العاصمة الفرنسية في الأيام المقبلة.

جولة هيل

وسط هذا المشهد، تنقّلَ السفير الأميركي دايفيد هيل أمس بين السراي وقصر بسترس وبكركي، وبحث مع كلّ من رئيس الحكومة تمّام سلام ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل والبطريرك الماروني، وعرَض معه لتطوّرات الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة.

وتوقّفت المراجع السياسية والديبلوماسية أمام حركة السفير الأميركي دايفيد هيل الناشطة، الذي يسعى في تحرّكه الى مراجعة التطوّرات مع المسؤولين اللبنانيين واستقصاء المعلومات، في حين لا يمتلك أيّ تصوّر للمرحلة المقبلة ما خلا النصح بالإسراع في تقصير مهلة الشغور الرئاسي بخطوات لا تمسّ الوضع الأمني والاستقرار في البلاد.

الحملة على الراعي… تابع

في غضون ذلك، لا تزال زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى الاراضي المقدّسة في دائرة الضوء، مع مواصلة «حزب الله» الحملة عليه ولو من دون أن يسمّيه.

واعتبر نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أنّ «المقاومة تصرّفت تصرُّفاً شريفاً في كلّ المحطات، سواءٌ أثناء التحرير عندما لم نمسّ أحداً من الناس، وتركنا أمر معالجة العملاء للدولة اللبنانية لتحاسبَهم وفق قوانينها من دون أن نتدخّل، على قاعدة أن يُحاسَب المرتكبون، وهي مسؤولية وواجب في آنٍ معاً، أو لمّا عملنا في الداخل اللبناني مع كلّ الأطراف الصادقة من أجل إعمار البلد، ومن حقّنا أن نقول ونسجّل: لولا المقاومة لما كان هناك بناءٌ في البلد، ولولا الدفاع المقدّس لما منعنا الأخطار من أن تأتينا من كلّ حدب وصوب لتدمّر الإنجازات التي تحقّقت في لبنان».

دفاع جنبلاطي

في الموازاة، دخل رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بقوّة على خط الدفاع عن بكركي، فاتّصلَ الراعي به مُثمِّناً موقفَه.

ورأى جنبلاط أنّ هذه الزيارة «تأتي في سياق نشاطه الرعوي والكنَسي. وتساءل: «لماذا كلّ هذا الصخَب والضجيج؟ ولماذا هذا الصمت المريب من معظم الفرقاء، بحيث تُرك البطريرك وحيداً ولم يصدر موقف واحد مدافع عنه»؟ واعتبرَ أنّ الراعي سعى خلال هذه الزيارة «إلى إعطاء المسيحيّين الفلسطينيين والعرب بارقة أمَل ورجاء في ظلّ الظروف الصعبة التي يعيشونها، وهو نجحَ في الابتعاد عن كلّ ما يمكن استغلاله من الاحتلال الإسرائيلي ووضعه في خانة التطبيع المرفوض».

جعجع

بدوره، اتّصل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بالراعي، مستنكراً الحملة «الوقحة» التي طالته على خلفية زيارته القدس، والتي «تتخطّى كلّ الأعراف والأصول اللبنانية، وتشكّل مَسّاً بميثاق العيش المشترك».

شمعون

من جهته، دافعَ رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون عن زيارة الراعي إلى الاراضي المقدّسة، معتبراً أنّها «خطوة جيّدة وكان لا بدّ من القيام بها لأنّ المسيحيين هناك يشعرون بأنّهم باتوا متروكين لقدَرِهم».

وقال شمعون لـ»الجمهورية»: «من الطبيعي أن يزور الراعي أبناء رعيته، ونريد أن نسأل «حزب الله» المنزعج من الزيارة: هل هو مع الشعب الفلسطيني وما تبقّى منه أم أنّه مع إسرائيل؟ وقال: «أعتقد أنّهم يفضّلون أن يتركوا كلّ شيء لإسرائيل وأن لا يتعاطى أحد مع قضية اللبنانيّين هناك».

ورفض شمعون «الحديث عن أيّ تقصير من فريق 14 آذار في الدفاع عن زيارة البطريرك».

سلهب

كذلك، استنكرَ عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب سليم سلهب الحملة على الراعي، وقال: «عادةً، إنّ «حزب الله» لا يأخذ موقفاً معيّناً كردّة فعل أو انفعال، ولا شكّ في أنّ الحملة على بكركي هي سياسية مركّزة وذات أهداف معيّنة، ولكن نجهل حقيقة هدفها».

أضاف: «كنتُ أفضّل، كرجل سياسيّ، أن لا يزور الراعي الأراضي المقدّسة حاليّاً، لكن طالما إنّه أكّد مراراً وتكراراً أنّ زيارته رَعوية محضّ، فلماذا يريدون إذن إلباسَها اللبوس السياسي؟ يتحدّثون بأمور سياسية لا علاقة له بها، وهو حافظَ على طابعها الرعوي قدر الإمكان، ثمّ إنّ العملاء الذين اجتمع معهم هم أبناء الرعية، وليسوا لبنانيّين فقط، على رغم آرائهم السياسية».

وفي الشأن الانتخابي، استبعد سلهب الوصول إلى التوافق قبل موعد الجلسة الانتخابية المقبلة في 9 حزيران الجاري، وأكّد أن لا اتصالات أو معطيات حتى الآن توحي بإمكان حدوث أيّ تبدّل في موقفنا من مقاطعة الجلسة الانتخابية.

وقال سلهب إنّ رئيس «التكتّل» النائب ميشال عون «لن يعلن ترشيحه قبل ان يحصل توافق عليه، ونحن لا نزال ننتظر ردّاً مباشراً من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري على العماد ميشال عون، ونعتقد أنّ التأخّر في الرد عائدٌ إلى احتمال من اثنين: إمّا أنّه يحتاج لبعض الوقت لاستكمال تذليل العقبات مع فريقه قبل إعلان قرار الموافقة وقبول عون مرشّحاً توافقياً، إمّا أنّه لا يريد أن يصدر هذا الرفض عنه مباشرةً، بل عن غيره. لكن «على المَيلتين» لا جواب بعد حتى اليوم».

شللٌ في 7 حزيران

وفي هذه الأجواء، واصلت هيئة التنسيق النقابية ضغوطها من أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب، فباشرَت أمس تنفيذ روزنامة التصعيد المتدرّج الذي يبدأ باعتصامات يومية، وصولاً إلى الإضراب المفتوح في 7 حزيران الجاري، حيث يُتوقّع أن يصيب الشلل التام كلّمفاصل الدولة.

وترافقَ بدء الاعتصامات مع تصعيدٍ في المواقف استهلّه رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي حنّا غريب خلال اعتصام هيئة التنسيق أمس في المنطقة التربوية في بيروت احتجاجاً على عدم إقرار السلسلة. فحذّر من إلغاء شهادة البريفيه، وقال إنّ «المسألة ليست امتحانات فقط، بل هناك إضراب شامل مفتوح في كلّ القطاع العام، بما فيه الإمتحانات الرسمية، والدولة كلّها مشلولة ابتداءً من 7 حزيران إذا لم يقرّوا السلسلة».

بدوره، أقرّ مجلس مندوبي رابطة موظفي الإدارة العامة توصية الرابطة وهيئة التنسيق بتنفيذ الإضراب المفتوح ابتداءً من السبت المقبل في جميع الإدارات والوزارات والسرايا والأقضية والبلديات والمؤسسات العامة، وبالتزامن مع مقاطعة الإمتحانات الرسمية، وأوصى الهيئة الإدارية ببحث إمكانية بدء الإضراب المفتوح الخميس في 5 حزيران. كذلك أقرّ جُملة خطوات تصعيدية ستنفّذ خلال الإضراب المفتوح».

وأعلن موظّفو تعاونية موظفي الدولة، «إلتزامهم بإضراب هيئة التنسيق النقابية اعتباراً من أمس الاثنين لغاية الأربعاء ضمناً، من العاشرة لغاية الثانية عشرة ظهراً، والإضراب العام يوم السبت 7 الجاري».

حرب لـ«الجمهورية»

واعتبر وزير الاتصالات بطرس حرب أنّ ملف السلسلة دخل في مناخ شعبويّ من المزايدات، بهدف كسب عواطف المطالبين بحقوقهم. وقال لـ»الجمهورية»: «نحن بطبيعة الحال نتعاطف ونتفهّم المطالب، ولا يمكن للمرء إلّا أن يتعاطف مع هذه القضية. لكنّ المشكلة أنّ الموضوع لا يرتبط بتلبية كلّ المطالب، وبعد ذلك نترك الناس تسقط في المحظور. وليس مطلوباً أن نعطي باليد اليمنى ثمّ نأخذ ما أعطيناه باليد اليسرى. ويا للأسف إنّ البعض يتعاطى سياسياً مع هذا الملف بعقلية شعبوية».

أضافَ حرب: «هناك ملاحظة أساسية لا بدّ من التساؤل حولها، إذ هل يجوز أن نطرح ملفّات من هذا الحجم، وكأنّ البلد في وضع طبيعي. ألا ينبغي أن نأخذ في الاعتبار أنّ هناك أزمة سياسية طويلة عريضة تهدّد الكيان والنظام ومستقبل البلد؟ وهناك تساؤلات عن مبرّر التهديد بمقاطعة الامتحانات الرسمية وتهديد مصير الطلّاب. فهل ظروف البلد تسمح بمثل هذه التصرّفات؟ ولمصلحة مَن هذا الأمر؟ نحن نعمل حاليّاً في غياب رئيس للجمهورية، وفي ظلّ مجلس نيابيّ إذا كان لا بدّ أن يشرّع، فيجب أن يفعل ذلك استثنائياً، على اعتبار أنّ هذا الملف قضية وطنية. وأتمنّى أن نتمكّن من إبعاد هذا الموضوع عن المزايدات». وعن الإجراءات التي يمكن أن يتّخذها وزير التربية، قال حرب: وزير التربية هو جزء من تيّار سياسيّ كان يدعم نظرية الـ121 في المئة، لكنّه فرملَ اندفاعته هذه في الفترة الأخيرة، على رغم أنّ النائب ابراهيم كنعان لا يزال مقتنعاً بنظرية الـ121% ويعتبرها أمراً جيّداً. إلّا أنّني لا أشاطره هذا الرأي، وأعتبر ذلك سيّئاً. فعلينا أن نُحكّم العقل، لكي نعطي الحقوق، ونحافظ على استقرار الوضع الاقتصادي في البلد لحماية الناس. (تفاصيل ص 11).